يقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:
من المعلوم عند أهل العلم أن الأصل أن تصلى الصلوات الخمس في أوقاتها المحددة شرعاً لقوله تعالى :( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) سورة النساء الآية 103 .

وقد أجاز كثير من أهل العلم الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر لأعذار معتبرة شرعاً . ومن الأعذار التي تجيز الجمع بين الصلاتين عذر الخوف فقد صح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :( صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر ) رواه مسلم وفي رواية أخرى عنه قال :( صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر . قال أبو الزبير – أحد الرواة – : فسألت سعيداً لم فعل ذلك ؟ فقال : سألت ابن عباس كما سألتني فقال : أراد أن لا يحرج أحداً من أمته ) رواه مسلم . وغير ذلك من الأدلة .

وقد أجاز الجمع في الحضر لعذر الخوف جماعة من أهل العلم نقله عنهم الإمام النووي في المجموع 4/383 وفي شرحه على صحيح مسلم حيث قال :[ وذهب من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : أراد أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم ] شرح النووي على صحيح مسلم 2/335 .

وذكر ابن مفلح أن الخوف يبيح الجمع في ظاهر كلام الإمام أحمد كالمرض ونحوه وأولى لمفهوم قول ابن عباس من غير خوف ولا مطر . الفروع 2/71 .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على حديث ابن عباس السابق :[ قال ( من غير خوف ولا مطر ) وقال ( ولا سفر ) … والجمع الذي ذكره ابن عباس لم يكن بواحد من هذه الأعذار، وبهذا استدل أحمد على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى وهذا من باب التنبيه بالفعل فإنه إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع والجمع لها أولى من الجمع لغيرها ] مجموع الفتاوى 24/76 .

وقال أيضاً :
[ فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة من الصحابة والتابعين … لكن لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا للمطر بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع جمعه أيضاً للمطر كان قد جمع من غير خوف ولا مطر كما أنه إذا جمع في السفر وجمع في المدينة كان قد جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر فقول ابن عباس جمع من غير كذا ولا كذا ليس نفياً منه للجمع بتلك الأسباب بل إثبات منه لأنه جمع بدونها وإن كان قد جمع بها أيضاً . ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر وقد جمع بعرفة ومزدلفة من غير خوف ولا مطر ] مجموع الفتاوى 24/83-84 .
وخلاصة الأمر أن الجمع يجوز لعذر الخوف ولكن لا بد أن يكون العذر حقيقياً وموجوداً فعلاً عند الجمع .