سر تكريم رمضان وفرض الصيام فيه دون غيره، وندب القيام فيه والاعتكاف في العشر الأواخر منه؛ سبب ذلك هو نزول القرآن الكريم فيه، فمن أجل القرآن كرم رمضان، فالقرآن كلام الله عز وجل، ولقارئه ثواب مضاعف، ولسامعه أيضا، ويجب على المسلمين أن يلتفوا حول مائدة القرآن في شهر القرآن، وأن يحرصوا على تدبره والعمل به ليسعدوا في دنياهم وأخراهم.

يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي :
إن سبب تكريم شهر رمضان وسمو منزلته بين شهور العام هو نزول القرآن الكريم فيه، وقد فرض الله صيامه، وسن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيامه إعلانًا لهذا الفضل، واحتفاءً بهذا الشرف العظيم، حيث جعله الله وعاء لنزول كلام الله إلى عباد الله نورًا وهداية وصلاحًا لدينهم ودنياهم، قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان). وقال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر). وقال: (إنا أنزلنا في ليلة مباركة) فالليلة المباركة هي ليلة القدر، وهي في شهر رمضان المبارك، قال ابن عباس: إنه أنزل في ليلة القدر وفي رمضان وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم ـ أي مقسطًا ـ في الشهور والأيام.

فشهر رمضان وعاء زمني لنزول القرآن الكريم، وقد توثق الارتباط لذلك بين صوم رمضان وتلاوة القرآن، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: رب منعته الطعام والشراب بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان.

وقراءة القرآن من أفضل العبادات وثوابها عند الله كبير، فالله يجعل لقارئ القرآن بكل حرف حسنة، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف”.

وكذلك فالاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان سنة مؤكدة، والمعتكف في المسجد يشغل وقته بقراءة القرآن، فيتحقق له ثواب الاعتكاف، وثواب قراءة القرآن، وثواب الصيام، ويكون الزمن الواحد مضاعف الحسنات بعبادات ثلاث في آن واحد، ولكل عبادة ثوابها فضلاً من الله ونعمة، وإذا اجتمع قوم في المسجد على تلاوة القرآن كان لهم من الثواب والذكر الجميل ما ذكره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله: “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.