يرى جمهور الفقهاء أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيت زوجها وجوبا، وذهب فريق آخر إلى أن لها أن تعتد في أي بيت شاءت، لأن الله تعالى أمرها بالعدة ولم يأمرها أن تعتد في مكان بعينه .
واستثنى الجمهور في ذلك أن يكون بيت الزوجية موحشا ، حيث لا تأمن على نفسها بعد وفاة زوجها، كأن يكون في بيت مهجور ونحو هذا، أو أنها تجد صعوبة كبيرة في عيشها مع أهل زوجها، إن كان البيت ليس خاصا بزوجها، ولكن الأصل هو اعتداد المرأة في بيت زوجها .

وقد استدل الجمهور بأدلة منها :
ما أخرجه أصحاب السنن وغيرهم عن سعدِ بنِ إسحاقَ بنِ كعبِ بنِ عجرةَ، عن عمَّتهِ زينبَ بنتِ كعبِ بنِ عجرةَ؛ أنَّ الفريعةَ بنتَ مالكِ بنِ سنانٍ، وهي أختُ أبي سعيدٍ الخدريِّ، أخبَرتْها أنَّها جاءتْ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم تسألهُ أنْ ترجعَ إلى أهلهَا في بني خُدرةَ . وأنَّ زوجَها خرجَ في طلبِ أعبدٍ لهُ أبقُوا، حتىَّ إذا كانَ بطرفِ القدومِ لحقهُمْ فقتلوهُ. قالت: فسألتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم أن أرجعَ إلى أهلي. فإنَّ زَوجي لم يتركْ لي مسكَناً يملكهُ، ولا نفقةً. قالت: فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم ” نعم”. قالت: فانصرفتُ، حتىَّ إذا كنتُ في الحجرةِ (أو في المسجدِ) ناداني رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّم (أو أمرَ بي فنوديتُ لهُ) فقال “كيفَ قلتِ” ؟ قالت: فرددتُ عليهِ القصَّةَ التي ذكرتُ لهُ من شأنِ زَوجي. قال “امكُثي في بيتكِ حتىَّ يبلغَ الكتابُ أجلهُ” قالت: فاعتددتُ فيهِ أربعةَ أشهرٍ وعشراً. قالت: فلمَّا كانَ عُثمَانُ، أرسلَ إليَّ فسأَلني عن ذلكَ فأخبرتهُ. فاتَّبعهُ وقضى بهِ .

كما قالوا :إن كان الكتاب قد ذكر الاعتداد للمطلقة، ولم يذكره للمتوفى عنها زوجها، فإن السنة قد بينته، كما في حديث الفريعة بنت مالك .

ويرى بعض الفقهاء أن المطلوب من المتوفى عنها زوجها الاعتداد، ولا يشترط فيه بيت الزوجية .
وقد ورد عن بعض الصّحابة منهم عائشة وجابر : إن المتوفّى عنها لا يلزم أن تعتدّ في بيت الزوجيّة، بل يجوز لها أن تقضيَها في أي بيت؛ لأن الله حين أمرها بها لم يعيّن بيتًا خاصًّا .

وقال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت، وإن شاءت خرجت ، لقول الله عز وجل: (فإنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنّ مِنْ مَعْروفٍ) (سورة البقرة : 240) .

كما استدل هذا الفريق بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ، وكانت قد طلقت طلاقا بائنا، وإنما كان الاعتداد في بيت الزوجية في حال الطلاق الرجعي، عسى أن يراجع الزوج نفسه، ويرد إليه زوجته مرة أخرى .
أما في حالة الطلاق البائن أو المتوفى عنها زوجها، فليس هناك إمكانية في الرجوع، فكانت المرأة مخيرة بين أن تعتد في بيت زوجها أو في بيت أبيها أو في غيرهما من الأماكن شريطة الأمن على نفسها .
يقول الدكتور وهبة الزحيلي – رحمه الله تعالى – :
لا يجوز للمرأة الانتقال من بيت الزوج في العدة إلا بسبب كعدم وجود أمن في هذا البيت بأن كان نائياً موحشاً‏،‏ أو وجد شيء من السباب والشتم والأذى بينها وبين أقارب زوجها‏،‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ‏}‏ الطلاق : 1، وهي السباب ونحوه.انتهى
و يقول فضيلة الشيخ العلامة الدكتور القرضاوي:
يلزم المتوفى عنها زوجها أن تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي فيه، لا تغادره طوال أشهر العدة . كما في حديث الفريعة بيت مالك، ولأن بقاءها في بيتها أليق بحالة الحداد الواجبة عليها، وأسكن لأنفس أهل الزوج المتوفى، وأبعد عن الشبهات .
لكن يجوز لها أن تغادره لحاجة، مثل العلاج، أو شراء الأشياء اللازمة إذا لم يكن لها من يشتريها، أو الذهاب إلى عملها الملتزمة به، كالمدرسة والطبيبة والممرضة وغيرهن من النساء العاملات .
وإذا خرجت لحاجتها نهارًا . فليس لها الخروج من منزلها ليلاً .

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

المتوفّى عنها زوجها تعتد في بيت زوجها، ولا تتركه إلا لعذر مقبول، وذلك على رأي الجمهور .
وأجاز لها البعض الخِيار في أن تعتد في أي مكان تشاء، ولها أن تخرج نهارًا لكسب عيشها .

هذا، وما دام الأمر خلافِيًّا فيجوز الأخذ بأحد الآراء دون تعصُّب له، فالرأي الاجتهاديّ صواب يحتمل الخطأ، أو خطأ يحتمل الصواب، بهذا لا يكون هناك تناقُض، ولا تضارب في أحكام الشريعة المنصوص عليها، والمتفق على صحتها .انتهى

والخلاصة أن اعتداد المرأة المتوفى عنها زوجها خلافي، والأولى الاعتداد في بيت الزوجية، خاصة إن كان سكنا خاصا بها،إلا إذا كانت هناك ضرورة أو مصلحة ترجح عدم الاعتداد في بيت الزوجية .