الأصل أنه لا يجوز للحائض الطواف، بل عليها الانتظار حتى تطهر إن كان هذا في مقدورها ، وذهب أبو حنيفة ورواية عن أحمد ، وهو رأي عطاء ، وهو ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم رحمهما الله ، أنه إن لم تستطع الحائض الانتظار جاز لها الطواف للضرورة ، ولأن حيضتها ليست بيدها ، وقد أوجب البعض عليها دما ، وذهب آخرون إلى أنه لا شيء عليها في هذه الحالة ، لسقوط الواجب عنها .
وطواف الوداع ليس من واجبات الحج ، فيصح الحج بدونه .

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :

المرأة الحائض تستطيع أن تفعل كل شيء ما عدا الطواف بالبيت فهي لا تستطيع أن تدخل المسجد وهي حائض ولا تطوف وطبعاً لا تستطيع أن تسعى لأن السعي يكون بعد الطواف.

وقد أجاز شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم للحائض أن تتحفظ أى تضع قطنة حتى لا ينـزل منها دم وتطوف وتسعى لأن هذه الأشياء الإنسان مطالب أن يؤديها عند القدرة، وعند العجز تسقط عنه كما قال الله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” ولا يكلِّف الله نفساً إلا وسعها” حتى قالوا وليس عليها دم ولا شيء لأنها أدت ما قدرت عليه.

والمتفق عليه أن طواف الوداع ليس من أركان الحج، ركن الحج هو طواف الإفاضة ،إنما طواف الوداع إما واجب وإما سنة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة الحائض أن تسافر دون طواف الوداع لأنه ليس أمراً أساسياً، فالحج إن شاء الله صحيح وهو مقبول إن شاء الله. انتهى

ويقول الإمام ابن القيم بعد أن أورد آراء العلماء كلها في المسألة :

لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط طواف القدوم عن الحائض وأمر عائشة لما قدمت وهي متمتعة فحاضت أن تدع أفعال العمرة وتحرم بالحج فعلم أن الطواف مع الحيض محظور لحرمة المسجد أو للطواف أو لها، والمحظورات لا تباح إلا في حالة الضرورة ولا ضرورة بها إلى طواف القدوم لأنه سنة بمنزلة تحية المسجد ولا إلى طواف الوادع فإنه ليس من تمام الحج ولهذا لا يودع المقيم بمكة وإنما يودع المسافر عنها فيكون آخر عهده في البيت فهذان الطوافان أمر بهما القادر عليهما إما أمر إيجاب فيهما أو في إحداهما أو استحباب كما هي أقوال معروفة وليس واحد منهما ركنا يقف صحة الحج عليه بخلاف طواف الفرض فإنها مضطرة إليه وهذا كما يباح لها الدخول إلى المسجد واللبث فيه للضرورة ولا يباح لها الصلاة ولا الاعتكاف فيه وان كان منذورا ولو حاضت المعتكفة خرجت من المسجد إلى فنائه فأتمت اعتكافها ولم يبطل.

وهذا يدل على أن منع الحائض من الطواف كمنعها من الاعتكاف وإنما هو لحرمة المسجد لا لمنافاة الحيض لعبادة الطواف والاعتكاف ولما كان الاعتكاف يمكن أن يفعل في رحبة المسجد وفنائه جوز لها إتمامه فيها لحاجتها والطواف لا يمكن إلا في المسجد وحاجتها في هذه الصورة إليه أعظم من حاجتها إلى الاعتكاف بل لعل حاجتها إلى ذلك أعظم من حاجتها إلى دخول المسجد واللبث فيه لبرد أو مطر أو نحوه .

وبالجملة فالكلام في هذه الحادثة في فصلين :

-أحدهما في اقتضاء قواعد الشريعة لها لا لمنافاتها .
-الثاني في أن كلام الأئمة وفتاويهم في الاشتراط والوجوب إنما هو في حال القدرة والسعة لا في حال الضرورة والعجز فالإفتاء بها لا ينافي نص الشارع ولا قول الأئمة وغاية المفتى بها أنه يقيد مطلق كلام الشارع بقواعد شريعته وأصولها ومطلق كلام الأئمة بقواعدهم وأصولهم فالمفتى بها موافق لأصول الشرع وقواعده ولقواعد الأئمة.