ندب الإسلام المسلمين إلى عدم شغل ذمتهم بالديون والقروض ، مخافة أن تختطفهم المنية دون أن ينتهوا من سداد ما عليهم ، ولأن الإسراف في المباحات منهي عنه ولو كان من مال الإنسان نفسه فكيف بالاستدانة ؟
وإذا اضطر المسلم إلى القرض ، ولم يجد إلا القرض الربوي فإن الإثم يقع على آكل الربا وحده بشرط عدم التوسع في مفهوم الضرورة ، فإن كان مضطرا لعشرة جنيهات فيحرم عليه أن يقترض أحد عشر .

يقول الدكتور يوسف القرضاوي :-
آكل الربا هو الدائن صاحب المال الذي يعطيه للمستدين فيسترده بفائدة تزيد على أصله، وهذا ملعون عند الله وعند الناس بلا ريب ولكن الإسلام على سنته في التحريم – لم يقصر الجريمة على آكل الربا وحده بل أشرك معه في الإثم مؤكل الربا – أي المستدين الذي يعطى الفائدة – وكاتب عقد الربا، وشاهديه.
وفي الحديث: ” لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه “. (رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن ماجة).
وإذا كانت هناك ضرورة ملحة اقتضت معطى الفائدة، أن يلجأ إلى هذا الأمر فإن الإثم في هذه الحال يكون على آخذ الربا (الفائدة) وحده.
1- وهذا بشرط أن تكون هناك ضرورة حقيقية، لا مجرد توسع في الحاجيات أو الكماليات، فالضرورة هي الأشياء التي لا يمكن الاستغناء عنها ، بحيث إذا فقدها الشخص أصبح معرضا للهلاك كالقوت والملبس الواقي والعلاج الذي لا بد منه.
2- ثم أن يكون هذا الترخيص بقدر ما يفي بالحاجة دون أي تزيد، فمتى كان يكفيه تسعة جنيهات مثلا فلا يحل له أن يستقرض عشرة.
3- ومن ناحية أخرى، عليه أن يستنفد كل طريقة للخروج من مأزقه المادي، وعلى إخوانه المسلمين أن يعينوه على ذلك، فإن لم يجد وسيلة إلا هذا، فأقدم عليه غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم.
4- وأن يفعل ذلك إن فعله وهو له كاره، وعليه ساخط، حتى يجعل الله له مخرجًا.انتهى

ويجب على المسلم الحذر من الاستهانة بجعل كلمة مضطر سبيل للقرض الربوي أو التعامل بالربا.

ومما ينبغي للمسلم أن يعرفه من أحكام دينه:-
أنه يأمره بالاعتدال في حياته والاقتصاد في معيشته: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) سورة الأنعام:141، والأعراف:31، (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) سورة الإسراء:26-27.
وحين طلب القرآن من المؤمنين أن ينفقوا، لم يطلب إليهم إلا إنفاق بعض ما رزقوا لا كله، ومن أنفق بعض ما يكتسب فقلما يفتقر، ومن شأن هذا التوسط والاعتدال ألا يحوج المسلم إلى الاستدانة ، وخصوصا أن النبي صلى الله عليه وسلم كرهها للمسلم، فإن الدين في نظر الرجل الحر هم بالليل ومذلة بالنهار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه ويقول: “اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. وقال: “أعوذ بالله من الكفر والدين. فقال رجل: أتعدل الكفر بالدين يا رسول الله؟ قال: نعم”.
-وكان يقول في صلاته كثيرا: “اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم (الدين) فقيل له: إنك تستعيذ من المغرم كثيرا يا رسول الله. فقال: إن الرجل إذا غرم (استدان) حدث فكذب ووعد فأخلف”.
فبين ما في الاستدانة من خطر على الأخلاق نفسها.
-وكان صلى الله عليه وسلم لا يصلي على الميت إذا عرف أنه مات وعليه ديون لم يترك وفاءها، تخويفا للناس من هذه العاقبة، حتى أفاء الله عليه من الغنائم والأنفال، فكان يقوم هو بسدادها.
-وقال صلى الله عليه وسلم: “يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين”.
وفي ضوء هذه التوجيهات لا يلجأ المسلم إلى الدين إلا للحاجة الشديدة، وهو حين يلجأ إليه لا تفارقه نية الوفاء أبدا.
وفي الحديث: “من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله”.
فإذا كان المسلم لا يلجأ إلى الدين المباح (أي بغير فائدة) إلا نزولا على حكم الضرورة وضغط الحاجة فكيف إذا
كان هذا الدين مشروطا بالفوائد الربوية؟