ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة ماتت في نفاسها فوقف عند وسطها ، أما الرجل فقد اختلف فيه أهل العلم ، فمنهم من قال : يوقف عند وسطه مثل المرأة ، ومنهم من قال : يوقف عند رأسه وهو الصحيح الذي دل عليه فعل الصحابة .

قال الشوكاني في نيل الأوطار :

السنة في الصلاة على المرأة أن يقف عند وسطها ، والدليل على ذلك ما رواه الجماعة عن سمرة قال { : صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها ، فقام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وسطها . }
وما رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وأبو داود عن أبي غالب الحناط قال: { شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه فلما رفعت أتي بجنازة امرأة فصلى عليها فقام وسطها ، وفينا العلاء بن زياد العلوي ؛ فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال : يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمت ، ومن المرأة حيث قمت ؟ قال : نعم . } رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وأبو داود ، وفي لفظه : فقال العلاء بن زياد : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعا ويقوم عند رأس الرجل ، وعجيزة المرأة ؟ قال : نعم )
وهذا الحديث قال فيه الإمام الشوكاني :- حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ، ورجال إسناده ثقات، ثم قال :
وفيه دليل على أن المصلي على المرأة الميتة يستقبل وسطها . ولا منافاة بين هذا الحديث وبين قوله في حديث أنس : ” وعجيزة المرأة ” ؛ لأن العجيزة يقال لها : وسْط .

وأما الرجل فالمشروع أن يقف الإمام حذاء رأسه لحديث أنس المذكور ، ولم يصب من استدل بحديث سمرة على أنه يقام حذاء وسط الرجل والمرأة ، وقال : إنه نص في المرأة ، ويقاس عليها الرجل ؛ لأن هذا قياس مصادم للنص وهو فاسد الاعتبار ، ولا سيما مع تصريح من سأل أنسا بالفرق بين الرجل والمرأة ، وجوابه عليه بقوله : نعم .

ثم ذكر الشوكاني مذاهب العلماء في هذه المسألة فقال :-
وإلى ما يقتضيه هذان الحديثان من القيام عند رأس الرجل ووسط المرأة ذهب الشافعي وهو الحق .
وقال أبو حنيفة : حذاء صدرهما ، وفي رواية : ” حذاء وسطهما
وقال مالك : حذاء الرأس منهما .
وقال الهادي : حذاء رأس الرجل وثدي المرأة واستدل بفعل علي عليه السلام . قال أبو طالب : وهو رأي أهل البيت ولا يختلفون فيه .
وحكي في البحر عن القاسم أنه يستقبل صدر المرأة ، أما الرجل فيقف فيما بين صدره وسرته .
ثم ذكر الرأي الراجح فقال :-
الراجح ما ذهب إليه الشافعي ، لأن بقية المذاهب لم تستند في استدلالاتها على فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا قوله ، ولكنها قاست حكم الرجل على المرأة ، وهذا القياس مرفوض ، لأنه لا يحتاج إلى القياس إلا عند عدم وجود النصوص .
وفي مسألتنا وجدنا نصا في المسألة ، حيث نسب أحد الصحابة الوقوف عند رأس الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فالوقوف عند رأس الرجل منسوب إليه صلى الله عليه وسلم ، والوقوف عند وسط المرأة معروف من فعله صلى الله عليه وسلم . انتهى كلام الشوكاني مع التصرف .

وقال الإمام النووي في المجموع :-
السنة أن يقف الإمام عند عجيزة المرأة بلا خلاف للحديث ؛ ولأنه أبلغ في صيانتها عن الباقين .