ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر تارة ، ويجهر أخرى في قيام الليل ، لذلك اختلف العلماء في الأفضل منهما بعد اتفاقهم على جواز الأمرين ، والراجح أن ذلك يكون على حسب المصلحة ، فإذا كانت المصلحة في الجهر بأن يكون محتاجا إليه ليطرد عن نفسه النعاس ، أو يكون بجواره من ينتفع بقراءته كان الجهر أولى ، وإذا كان بجواره من يتضرر برفع صوته ، أو كان يخاف على نفسه الرياء كان الإسرار أفضل ، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك فالأفضل التوسط بين الجهر والإسرار.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :

ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المتنفل ليلا يخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها ، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة ، أو كان بحضرته من يستمع قراءته ، أو ينتفع بها فالجهر أفضل ، وإن كان قريبا منه من يتهجد ، أو من يتضرر برفع صوته فالإسرار أولى ، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا فليفعل ما شاء .

قال عبد الله بن أبي قيس : سألت عائشة كيف كانت قراءة رسول الله ؟ فقالت : كل ذلك كان يفعل ، ربما أسر ، وربما جهر .
وقال أبو هريرة رضي الله عنه : { كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يرفع طورا ، يخفض طورا }

وقال المالكية : إن المستحب في نوافل الليل الإجهار ، وهو أفضل من الإسرار ، لأن صلاة الليل تقع في الأوقات المظلمة فينبه القارئ بجهره المارة ، وللأمن من لغو الكافر عند سماع القرآن ، لاشتغاله غالبا في الليل بالنوم أو غيره ، بخلاف النهار .

وقال الشافعية : إنه يسن في نوافل الليل المطلقة التوسط بين الجهر والإسرار إن لم يشوش على نائم أو مصل أو نحوه ، إلا التراويح فيجهر بها . والمراد بالتوسط أن يزيد على أدنى ما يسمع نفسه من غير أن تبلغ تلك الزيادة سماع من يليه ، والذي ينبغي فيه ما قاله بعضهم : إنه يجهر تارة ، ويسر أخرى .

وقال الشوكاني في نيل الأوطار :

روى أحمد والبزار عن أبي هريرة { أن عبد الله بن حذافة قام يصلي فجهر بصلاته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن حذافة لا تسمعني وأسمع ربك } . قال العراقي : وإسناده صحيح .

وفي مسند الإمام أحمد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال : إن المصلي يناجي ربه – عز وجل – فلينظر بما يناجيه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن } قال العراقي : إسناده صحيح .

وعن عقبة بن عامر عند أبي داود والترمذي والنسائي قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة ، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة } .

ثم قال الشوكاني بعد أن ساق هذه الأحاديث :

وفي الباب أحاديث كثيرة ، والذي يؤخذ منها أن الجهر والإسرار جائزان في قراءة صلاة الليل ، وأكثر الأحاديث المذكورة تدل على أن المستحب في القراءة في صلاة الليل التوسط بين الجهر والإسرار . وحديث عقبة وما في معناه يدل على أن السر أفضل لما علم من أن إخفاء الصدقة أفضل من إظهارها .

وقال ابن قدامة في المغني :

ويستحب أن يقرأ المتهجد جزءا من القرآن في تهجده ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ، وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها ، إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة ، أو كان بحضرته من يستمع قراءته ، أو ينتفع بها ، فالجهر أفضل ، وإن كان قريبا منه من يتهجد ، أو من يتضرر برفع صوته فالإسرار أولى فقد قال أبو سعيد : { اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فسمعهم يجهرون بالقراءة ، فكشف الستر ، وقال : ألا إن كلكم مناج ربه ، فلا يؤذين بعضكم بعضا ، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال : في الصلاة } . أخرجه أبو داود.
وإن لم يكن لا هذا ولا هذا ، فليفعل ما شاء .

وقال ابن عباس : { كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت } . رواهما أبو داود .

وعن أبي قتادة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ، فإذا هو بأبي بكر يصلي ، يخفض من صوته ، ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته ، قال : فلما اجتمعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا أبا بكر ، مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك قال : إني أسمعت من ناجيت يا رسول الله . قال : ارفع قليلا . وقال لعمر : مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك . قال ، فقال : يا رسول الله أوقظ الوسنان ، وأطرد الشيطان . قال : اخفض من صوتك شيئا } . رواه أبو داود .