صلاة الجنازة فرض كفاية وفضلها عظيم ففي الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم (من صلَّى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط فإن تبعها فله قيراطان قيل وما القيراطان؟ قال أصغرهما مثل أحد).
وصلاة الجنازة لا بأس أن تكون داخل المسجد متى أُمِن تلويث المسجد، وقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم تارة خارج المسجد وتارة داخله، فالأمر فيه سعة ولا ينبغي أن تكون مثل هذه الأمور محلا للنزاع.

يقول فضيلة الدكتور عبد العزيز عزام-أستاذ الفقه-:
الصلاة على الميت فرض كفاية لأمره صلى الله عليه وسلم بها، وإجماع المسلمين عليها، ويكفر منكرها، وهي من أكبر القربات، وفي فعلها الأجر الجزيل، وقد تواتر فعلها عنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وفعل أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ واستمر عمل المسلمين عليه، وتسن الصلاة على الميت جماعة، وأن لا تنقص الصفوف عن ثلاثة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “من صلى عليه ثلاثة صفوف من الناس فقد أوجب”. وفي رواية: “ما من ميت يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف إلا غفر له” حسنه الترمذي.
وكلما كثر الجمع كان أفضل لما في صحيح مسلم: “ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه”.

ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد إن أمن تلويثه، فإن لم يؤمن تلويثه حرم خشية تنجيسه، وهذا مذهب الشافعي وابن المنذر وغيرهم من الفقهاء، وبعض أصحاب مالك وقال ابن القيم وغيره: لم يكن من هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة على الجنازة في المسجد، وإنما كان يصلي خارجه، وربما صلى عليها فيه، ولكن لم يكن من سنته وعادته وكلاهما جائز.

أما في أيامنا هذه فقد تكون الصلاة على الجنازة في المسجد أولى من خارجه، حيث يجتمع في المسجد العدد الكثير، ولا داعي للإنكار على هذا أو على ذاك، فإن سعد بن أبي وقاص حين صُلي عليه في المسجد، وأنكر الناس ذلك، قالت عائشة ـ رضي الله عنها: ما أسرع ما نسي الناس، ما صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد، وصلي على أبي بكر وعمر فيه، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما في المسجد، وفي تركهم الإنكار الدليل على جوازه.

وعلى هذا فالأمر فيه سعة، ولا داعي للإنكار، والاختلاف في الدين يسر، فإذا كان الأيسر على الناس الصلاة على الميت في المسجد فهو جائز، وقد فعله رسول الله، ولا ينبغي في أن يكره شيء مما فعله صلى الله عليه وسلم، وإن كان الأيسر الصلاة على الميت خارج المسجد فلا مانع منه، وهذا هو المتبع في هدي رسول الله، والأرض كلها صالحة للصلاة وهي طاهرة.

ولكن ربما كانت الأفضلية في الصلاة عليه خارج المسجد؛ لأن من صُلي عليه في المسجد، فالغالب أنه ينصرف إلى أهله، ولا يشهد دفنه، وأن من سعى إلى الجنازة، فصلى عليها بحضرة المقابر شهد دفنه، وأحرز الأجر مرتين؛ لأنه يؤجر على كثرة الخُطا، ومع هذا فإن الذي استقر عليه عمل الناس الصلاة في المسجد حيث قد لا يوجد مكان صالح للصلاة خارجه، فالمسجد أولى خروجًا من الخلاف.