يقول الدكتور أحمد عبدالكريم نجيب مدرس الشريعة بكليّة الدراسات الإسلاميّة في سراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة في زينتسا:

البدعة كما عرّفها الإمام الشاطبي [ في الاعتصام : 1 / 37 ] هي : طريقةٌ في الدين مُخترعةٌ ( أي محدثة ) تضاهي الشرعيّة ( أي العبادة الشرعيّة ) يُقصَد بالسلوك عليها ما يُقصَد بالطريقة الشرعيّة ، أو المبالغة في التعبّد لله تعالى .
و تنقسم إلى بدعةٍ عقَديّة ( في أصول الدين ) ، و بدعة عمَليّة ( في الفروع و العبادات ) ، و تَبَعاً لهذا التقسيم يختلف الحكم عليها و على من وَقَعَ فيها .
و أخطَر البدع ما يكفرُ صاحبها بتلبّسه بها ، كبدعة إنكار القَدَر في العصور المتقدّمة ، و بدعة تقديم العقل على النقل و تحكيم القوانين في العصر الحاضر ، فمن تلبّس بشيء من ذلك و أقيمت عليه الحجّة فلم يرجع حُكِم بكفره و خروجه من الملّة ، و من كان هذا حاله فلا يقدّم للإمامة أصلاً ، و إن تقدّم فلا تصح الصلاة خَلفَه بحال .
و روي مثل ذلك في حكم الصلاة خلف المتلبّس بشيء من البدع الكبيرة التي تميّزت بها الفرق الضالة فالأصح عدم الصلاة خلف صاحبها و إن لم يُكفّر بها ، و من ذلك ما رواه السيوطي [ في ص : 22 من كتاب الأمر بالاتباع ] عن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، أنّه سُئل عن الصلاة خلف القائل بخَلقِِِ القرآن ، فقال : ( لا يُصلى خَلفَه الجمعة و لا غيرها ، إلا أنّه – أي المصلي – لا يَدَع إتيانها ، فإن صلّى أعاد الصلاة ) .
و الواجب على المنصف أن يتريّث في تنزيل حُكم الكفر على من تلبّس ببدعة في أصول الدين أو فروعه ، لأنّ التكفير مزلق خطير إلى الهلاك .
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله [ في مجموع الفتاوى : 12 / 180 ] :
( الصواب أنّه من اجتهد من أمّة محمد صلى الله عليه و سلّم و قَصَدَ الحقَّ فأخطأ لم يكفُر ، بل يُغفَر له خطأه .
و من تبيّن له ما جاء به الرسول فشاقّ الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى و اتّبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر .
و من اتّبع هواه و قصّر في طلَب الحقّ ، و تكلّم بلا عِلمٍ ؛ فهو عاصٍ مذنب ، ثمّ قد يكون فاسقاً و قد تكون له حسناتٌ ترجح على سيئاته .
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص ، فليس كلّ مخطئ ، و لا مبتدع ، و لا جاهل ، و لا ضال ؛ يكون كافراً ، بل و لا فاسقاً ، بل و لا عاصياً ) .
فإذا تقرّر هذا فكل ما جاء من نهي السلف الصالح عن الصلاة خلف المبتدع محمول على صاحب البدعة المكفرة ، و أئمّة الضلال و دعاته و أنصاره كالجهميّة و القدريّة و الروافض ، أمّا عامّة المسلمين فيصلى خلفهم ، حتى و إن صدرت عنهم بدعة ، خاصةً و أنّهم قد يكونون معذورين بجهلٍ أو تأوّل .
و قد أحسَن التفصيل في هذه المسألة شيخ الإسلام فقال [ في مجموع الفتاوى : 23 / 355 ] :
وأما الصلاة خلف المبتدع فهذه المسألة فيها نزاع وتفصيل فإذا لم تجد إماما غيره كالجمعة التي لا تقام إلا بمكان و احد و كالعيدين و كصلوات الحج خلف إمام الموسم فهذه تفعل خلف كل بر و فاجر باتفاق أهل السنة و الجماعة و إنما تدع مثل هذه الصلوات خلف الأئمة أهل البدع كالرافضة و نحوهم ممن لا يرى الجمعة و الجماعة إذا لم يكن في القرية إلا مسجد واحد فصلاته في الجماعة خلف الفاجر خير من صلاته في بيته منفرداً لئلا يفضى إلى ترك الجماعة مطلقا و أما إذا أمكنه أن لا يصلي خلف المبتدع فهو أحسن و أفضل بلا ريب لكن إن صلى خلفه ففي صلاته نزاع بين العلماء و مذهب الشافعي و أبي حنيفة تصح صلاته و أما مالك و أحمد ففي مذهبهما نزاع و تفصيل و هذا إنما هو في البدعة التي يعلم أنها تخالف الكتاب و السنة مثل بدع الرافضة و الجهمية و نحوهم فأما مسائل الدين التى يتنازع فيها كثير من الناس فى هذه البلاد مثل مسألة الحرف و الصوت و نحوها فقد يكون كل من المتنازعين مبتدعا و كلاهما جاهل متأول فليس امتناع هذا من الصلاة خلف هذا بأولى من العكس فأما إذا ظهرت السنة و علمت فخالفها واحد فهذا هو الذى فيه النزاع .اهـ .