لا خلاف بين الفقهاء في أنه يستحب للوالد أن يسوي بين أبنائه في العطية ويكره له تفضيل أحد من أبنائه على الآخرين، ولكن ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن التسوية المستحبة هي أن يعطي للذكر مثل الأنثى دون تفضيل وذهب الحنابلة أن القسمة المستحبة هي قسمة الميراث فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وقاسوا القسمة في الحياة على القسمة بعد الموت، وعللوا ذلك أيضا بأن الذكر أحوج من الأنثى لكثرة الأعباء الملقاة على عاتقه، فهو مطالب بالصداق والنفقة على زوجه وأولاده أما البنت فلها الصداق ونفقتها على زوجها فكان الذكر أولى بالتفضيل لزيادة حاجته.

وللوالد تفضيل بعض أبنائه إن كان لهذا التفضيل سبب كما لو كان أحد أبنائه كثير العيال ورزقه قليل أو كان مشتغلا بطلب العلم، أو كان أحد أبنائه ذا دين والآخر فاسقا أو كان أحدهما مريضا ففضله على أخوته، لمرضه، أو فضل صاحب الفضل من أجل فضيلته فلا حرج عليه في ذلك وإلا فيكره له تفضيل أحد أبنائه دون سبب.

جاء في كتاب المغني لابن قدامة:
ولا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية، وكراهة التفضيل. قال إبراهيم : كانوا يستحبون أن يسووا بينهم حتى في القبل، إذا ثبت هذا، فالتسوية المستحبة أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله تعالى الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وبهذا قال عطاء، وشريح، وإسحاق، ومحمد بن الحسن، قال شريح لرجل قسم ماله بين ولده : ارددهم إلى سهام الله تعالى وفرائضه.
وقال عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى، وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن المبارك: تعطى الأنثى مثل ما يعطى الذكر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد: “سو بينهم”، وعلل ذلك بقوله: ( أيسرك أن يستووا في برك؟ قال: نعم قال: فسو بينهم)، والبنت كالابن في استحقاق برها، وكذلك في عطيتها. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثرا لأحد لآثرت النساء على الرجال) . رواه سعيد في ” سننه ” . ولأنها عطية في الحياة، فاستوى فيها الذكر والأنثى، كالنفقة والكسوة .

ولنا –الراجح عند ابن قدامة- أن الله تعالى قسم بينهم، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين , والأولى الاقتداء بقسمة الله، ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية، فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين، كحالة الموت يعني الميراث، يحققه أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت، فينبغي أن تكون على حسبه، كما أن معجل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها، وكذلك الكفارات المعجلة، ولأن الذكر أحوج من الأنثى، من قبل أنهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر، والأنثى لها ذلك، فكان أولى بالتفضيل، لزيادة حاجته، وقد قسم الله تعالى الميراث، ففضل الذكر مقرونا بهذا المعنى فتعلل به، ويتعدى ذلك إلى العطية في الحياة، وحديث بشير قضية في عين، وحكاية حال لا عموم لها، وإنما ثبت حكمها فيما ماثلها، ولا نعلم حال أولاد بشير، هل كان فيهم أنثى أو لا؟ ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أنه ليس له إلا ولد ذكر، ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى، ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء، لا في صفته، فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه وكذلك الحديث الآخر، ودليل ذلك قول عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى، وهذا خبر عن جميعهم، على أن الصحيح من خبر ابن عباس أنه مرسل.

فإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى، أو فضلها عليه، أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض، أو خص بعضهم بالوقف دون بعض، فقال أحمد، في رواية محمد بن الحكم: إن كان على طريق الأثرة، فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة، يعني فلا بأس به، ووجه ذلك أن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته.

وعلى قياس قول أحمد، لو خص المشتغلين بالعلم من أولاده بوقفه، تحريضا لهم على طلب العلم، أو ذا الدين دون الفساق، أو المريض أو من له فضل من أجل فضيلته، فلا بأس وقد دل على صحة هذا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا دون سائر ولده، وحديث عمر، أنه كتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله أمير المؤمنين، إن حدث به حدث، أن ثمغا وصرمة بن الأكوع، والعبد الذي فيه، والمائة سهم التي بخيبر، ورقيقه الذي فيه، الذي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي، تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها، أن لا يباع ولا يشترى، ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذوي القربى، لا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقا منه . رواه أبو داود . وفيه دليل على تخصيص حفصة دون إخوتها وأخواتها.