اختلف العلماء قديما وحديثا حول المفاضلة بين النوافل، والرأي الراجح في هذه المسألة أن الأمر يتوقف على ظروف كل شخص ومدى عطائه ومدى حاجة المسلمين إلى الذي يدفعه في التطوع بالحج والعمرة.
يمكن القول ـ والمسلمون محتاجون للمال في داخل البلاد وخارجها ـ أن يتصدق بهذا المال لإنفاقه على الجوعى واليتامى والجهاد في سبيل الله وغير ذلك وقد تختلف الفتوى من وقت لآخر ومن شخص لآخر.
يقول الأستاذ الدكتور أحمد يوسف:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي أفضل؟ قال: “إيمان بالله ورسوله”، قال: ثم: ماذا؟ قال: “ثم الجهاد في سبيل الله”. قيل: ثم ماذا؟ قال: “ثم حج مبرور”. والحج المبرور هو الحج المقبول، أو هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم.

قال ابن تيمية: “وهو حجة لمن فضل نفل الحج على نفل الصدقة”، وروى الجماعة إلا أبا داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”.

وقال الشوكاني -رحمه الله-: “وقد اختلفت الأحاديث المشتملة على بيان فاضل من مفضولها؛ فتارة تجعل الأفضل الجهاد، وتارة الإيمان، وتارة الصلاة، وتارة غير ذلك، وأحق ما قيل في الجمع بينهما أن بيان الفضيلة يختلف باختلاف المخاطب؛ فإذا كان المخاطب ممن له تأثير في القتال، وقوة على مقارعة الأبطال قيل له: أفضل الجهاد، وإن كان كثير المال قيل له: أفضل الأعمال الصدقة، ثم كذلك يكون الاختلاف حسب اختلاف المخاطبين”. يعني حسب اختلاف الأشخاص والبيئات، أو البلاد التي يعيشون فيها.

وما قاله الشوكاني بالنسبة للمفاضلة عن الأعمال الواجبة يقال مثله عن النوافل؛ فالموازنة في الأفضلية بين نفل الصدقة ونفل الحج والعمرة، تختلف حسب اختلاف المخاطبين وبيئاتهم، ومدى حاجة تلك البيئات إلى الإسهام بأموال الأغنياء وصدقاتهم وتبرعاتهم لتحقيق التكافل الاجتماعي؛ فالذي يعيش في بيئة فقيرة يحتاج أهلها إلى تبرعاته المالية فإن الصدقة النافلة لتحقيق هذا التكافل والتضامن الاجتماعي تكون أفضل من نافلة الحج والعمرة، والذي يعيش في بيئة غنية بجوارها، ولا يحتاج أهلها إلى بذله وعطائه وتبرعاته، تكون نافلة الحج والعمرة بالنسبة إليه أفضل من نافلة الصدقة.