غير المغضوب عليهم هم اليهود عند أكثر المفسرين ، وهناك من قال : إن المغضوب عليهم هم الكفار ، ولكن الله تعالى يقول واصفا حال اليهود في غير آية الفاتحة :{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }في وصف اليهود .

وسبب غضب الله على اليهود أنه سبحانه وتعالى أسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة ، فكفروا بها ، وقد عدّد القرآن الكريم بعضا من هذه النعم مثل :
” يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ.” : ” وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ.” ، ” وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ.”، ” وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ” ، ” .. ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “، ” وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ “.
فهذه نعم أنعمها الله عليهم لم تحصل لأمّة من الأمم، فكان من الواجب شكر النعمة بطاعة المنعم ، ولكنهم كفروا بهذه النعم فاستحقوا اللعن لكفرهم بهذه النعم ، واستحقوا بكفرهم لهذه النعم أن تضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يبوءوا بغضب من الله تعالى يقول تعالى :” وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب

وبهذا يتضح بعض أسرار الغضب الربّاني على اليهود ، وأمر الله تعالى أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأن يتعوذوا من حال اليهود الذين غضب الله عليهم ، ولكن كيف يكون غضب الله تعالى ؟؟
ورد في الحديث القدسي ” سبقت رحمتى غضبي ” ، وروى البخاري في صحيحه أن همام سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه يشير إلى رباعيته”
وفي صحيح البخاري أيضا :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” اشتد غضب الله على من قتله نبي واشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم” .

وفي القرآن الكريم أكثر من آية بها تحذير للمسلمين من التعرض لغضب الله تعالى مثل : ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ، ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ) [سورة آل عمران]

أما ما حقيقة غضب الله ؟
هناك من العلماء من ذهب إلى أن المراد من الغضب إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم .
والأرجح هو التسليم بأن الغضب من الصفات التي تحدث الله بها عن نفسه في القرآن الكريم من غير أن يكون هناك داع للتأويل .
يقول العلامة الألوسي البغدادي في تفسيره المسمى بروح المعاني :
وأنا أقول ـ كما قال سلف الأمة ـ هو صفة لله تعالى لائقة بجلال ذاته ، لا أعلم حقيقتها ، ولا كيف هي ؟ والعجز عن درك الإدراك إدراك .أهـ

فالأولى التسليم بأن الغضب من الصفات الله تعالى تليق بجلال الله تعالى وكماله .