تثور مسألة تفرق المسلمين بين ثبوت أو عدم ثبوت الهلال في آخر شهر شعبان من كل عام هجري؛ وفي نفس كل مسلم – وخاصة بعد تقارب المسافات – أمل أن يجتمع المسلمون على توقيت واحد صوما وإفطارا.

يقول الدكتور حسام الدين عفانة – أستاذ الفقه بجامعة القدس :

إن هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً، وتكثر البلبلة بين الناس في اليوم الأخير من شعبان ومن رمضان ؛ وهذه البلبلة تؤدي إلى أمور تتعارض مع شريعتنا الإسلامية .

لا شك أن جمهور أهل العلم يرون أنه لا عبرة باختلاف المطالع وأن على المسلمين جميعاً أن يصوموا في يوم واحد وأنا أقول بهذا القول وأعتقد رجحانه، ولكن هذا القول مع قوته ورجحانه إلا أنه رأي نظري لم يأخذ طريقه إلى التطبيق الفعلي في تاريخ المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

لأنه لا تعلم فترة جرى فيها توحيد المسلمين جميعاً على رؤية واحدة إلا أن يكون حصل ذلك عرضاً ودون ترتيب لذلك الأمر .

وقد يستغرب بعض الناس هذا الكلام ولكنه الواقع، لأن جمع المسلمين على رؤية واحدة عند الصيام أو عند الأعياد، يحتاج إلى وسائل اتصالات حديثة وسريعة حتى يصل الخبر خلال ساعات إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي ليصوموا في نفس اليوم، وهل هذا الأمر كان متوفراً للمسلمين منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء من بعده ؟

ونحن نعلم أن وسائل الاتصالات الحديثة قريبة العهد، ولنضرب مثلاً يقرب الصورة ففي عهد الخلافة الراشدة كان مقر الخليفة في المدينة المنورة وكانت دولة الخلافة مترامية الأطراف فهل كان إذا ثبت رؤية هلال رمضان لدى الخليفة في المدينة المنورة تطير البرقيات وتشتغل الهواتف لإخبار المسلمين في اليمن وفي مصر وفي الشام وفي العراق ليصوموا في يوم واحد؟

ذلك ما حصل وما وقع ومن قال بخلاف هذا فقد أخطأ .

ولا شك أنني آمل أن يتحقق جمع المسلمين على رؤية واحدة وأن هذا الأمر لسهل ميسور في هذا الزمان في ظل دولة إسلامية واحدة ومع تقدم وسائل الاتصال ولكن إلى أن يتحقق هذا الأمل، أقول: بأنه يجب على أهل كل بلدان المسلمين أن يصوموا في يوم واحد وأن يكون عيدهم في يوم واحد .

فعلينا أن نصوم جميعاً في يوم واحد وأن يكون عيدنا واحداً ولو في البلد الواحد .

لأن في هذا الأمر محافظة على وحدتنا الجزئية إلى أن تتحقق وحدة العالم الإسلامي الكلية، فلا يقبل أن يختلف أهل البلدة الواحدة أو المدينة الواحدة أو القرية الواحدة، فبعضهم صائم وبعضهم يصلي العيد .

وضابط هذا الأمر هو الالتزام بما يصدر عن أهل العلم في ذلك البلد وهم القضاة في المحاكم الشرعية وطاعتهم في ذلك طاعة في المعروف وإن كان هذا مخالفاً لرؤية أهل بلد آخر، لأن الأصل في الصوم أن يكون مع جماعة المسلمين وعامتهم لما ثبت في الحديث الصحيح من قول الرسول صلى الله عليه وسلم(الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه الترمذي وأبو داود والبيهقي وهو حديث صحيح .

قال الإمام الترمذي رحمه الله : ( وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس). وعلى المسلمين أن يعلموا أنه يسعهم ما وسع المسلمين في السابق، بل أيام قيام دولة الإسلام، فما كانوا يصومون في يوم واحد وما كان عيدهم في يوم واحد لما ذكرته سابقاً .

وأنقل كلام بعض أهل العلم في ذلك: قال الإمام السبكي – رحمه الله – ، في كتابه “العلم المنشور في إثبات الشهور” (ص15) ما نصه (……لأن عمر بن الخطاب وسائر الخلفاء الراشدين لم ينقل أنهم كانوا إذا رأوا الهلال يكتبون إلى الآفاق ولو كان لازماً لهم لكتبوا إليهم لعنايتهم بأمور الدين) .

وقال الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني– رحمه الله (… وإلى أن تجتمع الأمة الإسلامية على ذلك – توحيد الصوم والعيد – فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ولا ينقسم على نفسه فيصوم بعضهم معها وبعضهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت. لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد) تمام المنة في التعليق على فقه السنة، ص398 .

ويقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: (إن السعي إلى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم وسائر شعائرهم أمر مطلوب دائماً ولا ينبغي اليأس من الوصول إليه، ولا من إزالة العوائق دونه، ولكن الذي يجب تأكيده وعدم التفريط فيه بحال هو، أننا إذا لم نصل إلى الوحدة الكلية العامة بين أقطار المسلمين في أنحاء العالم، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة بين أبناء الإسلام في القطر الواحد، فلا يجوز أن نقبل أن ينقسم أبناء البلد الواحد أو المدينة الواحدة فيصوم فريق اليوم على أنه رمضان ويفطر آخرون على أنه من شعبان وفي آخر الشهر تصوم جماعة وتعيّد أخرى فهذا وضع غير مقبول .

فمن المتفق عليه أن حكم الحاكم أو قرار ولي الأمر يرفع الخلاف في الأمور المختلف فيها فإذا أصدرت السلطة الشرعية المسئولة عن إثبات الهلال في بلد إسلامي – المحكمة العليا أو دار الإفتاء أو رئاسة الشؤون الدينية أو غيرها – قراراً بالصوم أو الإفطار فعلى مسلمي ذلك البلد الطاعة والالتزام .

لأنها طاعة في المعروف وإن كان ذلك مخالفاً لما ثبت في بلد آخر، فإن حكم الحاكم هنا رجح الرأي الذي يقول: إن لكل بلد رؤيته. وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: {صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون}.