تسعى المؤسسات الإسلامية إلى إيجاد البدائل المتعددة فيما يتعلق بأشكال التمويل والاستثمار في عالم السوق، حتى تواكب هذا التطور الهائل من المعاملات المالية التي ينتجها السوق العام، ومن تلك الصور الحديثة ما يعرف بـ” المشاركة المتناقصة”.

وعرفت مجلة مجمع الفقه الإسلامي 4/ 1411 المشاركة المتناقصة بأنها: شركة يَعِدُ فيها أحدُ الشريكين شريكه بأن يبيع له نصيبه كله أو بعضه في أي وقت يشاء بعقد ينشآنه عند إرادة البيع.

وقد ذهب جمهور الفقهاء المعاصرين إلى حل هذه المعاملة، وأنها من المعاملات الإسلامية لبنائها على الوضوح والبيان بخلاف المعاملات الربوية المبنية على الغرر.

والوضوح والبيان في المعاملات لا يكون مبررا وحده للجواز، فكثير من المعاملات المحرمة فيها وضوح وبيان، وأشهرها عقد الربا.

كما نفى بعض الفقهاء تصور المواعدة في المشاركة المتناقصة، والتي قد تكون سببا لتحريمها، وأن الوعد إنما يكون من طرف واحد، باعتبارهما قوة مشتركة متكافئة، والحق أن المواعدة قد تكون من العميل أو البنك غير متصورة بنفس القوة ؛ لأن مقصود المشاركة المتناقصة هو دخول البنك كشريك لعدم قدرة العميل على امتلاك المال الذي لا يحتاج معه إلى شريك.

كما أنه ليس هناك ما يمنع من وجود المواعدة، لأنه إن التزمت جهة كالبنك مثلا بالبيع، فهذا التزام من جهة واحدة، وقد تتراجع الجهة الأخرى عن الشراء.

ما يؤخذ على معاملة المشاركة المتناقصة:

ومما يؤخذ على المشاركة المتناقصة من خلال النظر الفقهي عدة أمور، هي:

أولا- لزوم الوعد:

فالقول بجواز المشاركة المتناقصة بصورها الحالية هو نوع من التلفيق بين مذهب الشافعية الذين يبيحون ( اشتر لي وأربحك، كما ذكر الشافعي في الأم) لكنهم يرون أنه لو اشترط لزوم البيع فالعقد فاسد، وبين مذهب المالكية الذين يرون أن هذه معاملة محرمة؛ لأنها ذريعة للربا، لكنهم يرون أن الوعد ملزم، والمعاملة تلفيق بين المذهبين.

وقد نص قرار مجمع الفقه الدولي رقم 136 إلى أن تختص المشاركة المتناقصة بوجود وعد ملزم من أحد الطرفين فقط، بأن يمتلك حصة الطرف الآخر، على أن يكون للطرف الآخر الخيار، وذلك بإبرام عقود بيع عند تملك كل جزء من الحصة، ولو بتبادل إشعارين بالإيجاب والقبول .اهـ، وهذا ما لا يقبله البنك غالبا، لأنه يريد إلزام العميل بشراء حصته، وهو مقصود المشاركة المتناقصة أصلا.

وقد جاء في المعيار الشرعي رقم (12): وجوب الفصل بين الشركة وعقد البيع.

ولكن الغالب هنا أن هذا انفصال صوري وليس حقيقيا، لأنه لولا شراء العميل حصة البنك ما كانت الشراكة.

ثانيا- مقصد العقد ونية المشاركة:

هل مقصد العقد هو المشاركة فعلا، أم أنه مقصود به إيجاد بديل عن القرض الربوي؟

والغالب – في المشاركة المتناقصة هي أن نية المشاركة منتفية عند الاثنين، ويظهر هذا من اسم المعاملة (المشاركة المتناقصة).

 ثالثا- غلبة الضمان:

ففي المشاركة المتناقصة يكون الشراء بالقيمة الإسمية، فيه ضمان لحصة الشريك

أو ما يعرف بـ ( شرط الأسد)، وضمان حصة الشريك باطل بالإجماع كما حكاه ابن المنذر.

وكذلك اشتمال المعاملة على عدة عقود في آن واحد، وهي: المواعدة الملزمة، وعقد البيع  وعقد إيجار وعقد مشاركة يتم من خلال البيع بنسب متناقصة.

وقد قر مجمع الفقه الدولي جواز المعاملة بشرط الخيار، ولكن كيف يكون خيارا مع كونه عقدا ملزما؟

هل عقد المشاركة المتناقصة من عقود المرابحة:

عقود الأمانة على ثلاثة أنواع:

1 – عقد التولية: وهو أن يبيع الشخص سلعته بنفس السعر الذي اشتراه.

2 – عقد الوضيعة: وهو أن يبيع بسعر أقل مما اشترى.

3 – عقد المرابحة: وهو أن يبيع بسعر أعلى مما اشترى.

هل التراضي وحرية الإرادة تجعل العقد جائزا دوما:

أكثر من توسعوا في هذا الحنابلة حيث جعلوا الشرط صحيحا مالم يكن منافيا لمقتضى العقد، ولا منافيا للشرع.

وقد يعترض على ذلك أن هذا مما جاء النهي عنه في الجمع بين عقد وشرط، أو بين بيعين في بيعة واحدة.

اقتراحات:

ولما كان القصد هو إيجاد اقتراحات وبدائل مشروعة، فإنه من الأولى البحث عن البدائل المشروعة التي هي ليست محل خلاف ابتداء، وأن التخريج الفقهي لا ينبني بتسويغ العقد بالبحث عن رأي فقهي يستند إليه فحسب، وإلا كان ذلك ضربا للخلاف الفقهي، وهو يعني عدم الانضباط الفقهي في الاجتهاد في القضايا المعاصرة.

ومن الاقتراحات:

  • النظر إلى الموضوع محل المشاركة المتناقصة، وهل يصلح أن يندرج تحتها أم لا؟ وهل هناك بدائل مشروعة بلا خلاف، فتحل محل المشاركة المتناقصة؟

فمثلا: في المشاركة المتناقصة في العقار، يمكن أن يحل البيع بالتقسيط محل المشاركة المتناقصة، وذلك بأن تكون نسبة العميل هي جزء من ثمن العقار، وأن يحدد سعره ابتداء، على أن يكون على أقساط.

أما في المشاركة المتناقصة التي تأخذ شكلا أكبر وأكثر تعقيدا، كشركات معينة، أو بناء برج سكني كبير، فيمكن الفصل بين عقد الإيجار، وبين عقد البيع، بأن يؤجل البيع لحين قدرة العميل على الشراء، وأن لا يكون هناك التزام من البنك بالبيع له، بل يمكن أن يبيعه له أو لغيره، مادامت دراسة الجدوى المقدمة للبنك تشير إلى القوة الاقتصادية للمشروع، وأن هناك معايير لنجاحه، مع جعل الإدارة مع العميل إن كان صاحب خبرة، فينتفع به بإدارة المشروع، ويشتري متى أراد، ويفصل بين عقد الإيجار وعقد البيع ، كما

أن الالتزام مع عميل بعينه دون غيره، يعني أن البنك يدخل بقصد التحايل على الربا لا بقصد الاستثمار، والأصل أن العقود تصح بتوافر الأركان والشروط مع تحقق مقاصدها، وأن الارتباط مع عميل واحد بعينه بهذه الصورة قد يشكك في حقيقة دراسة الجدوى المقدمة، وأنها  قد تكون غير محققة.