بدأ الحق سبحانه و تعالى سورة الجن بقوله تعالى :
{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} ، وهذا يؤكد أنهم سمعوا القرآن الكريم في مكة ، وذلك لأن سورة الجن مكية باتفاق ، ونزلت في السنة العاشرة من البعثة على ما يراه علماء القرآن الكريم .
وقد ثبت سماع الجن للقرآن الكريم حين كان يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم عندما انطلق هو و طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ فصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه الفجر فاستمع فريق من الجن القرآن فذهبوا إلى قومهم منذرين .

قال الإمام الطبري في تفسيره عن سماع الجن للقرآن أن الضحاك قال في قوله: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} :
لم تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد؛ فلما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم حرست السماء الدنيا، ورميت الشياطين بالشهب، فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث، فأمر الجن فتفرقت في الأرض لتأتيه بخبر ما حدث. وكان أول من انبعث نفر من أهل نصيبين وهي أرض باليمن، وهم أشراف الجن، وسادتهم، فبعثهم إلى تهامة وما يلي اليمن، فمضى أولئك النفر، فأتوا على الوادي وادي نخلة، وهو من الوادي مسيرة ليلتين، فوجدوا به نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة فسمعوه يتلو القرآن؛ فلما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما قضي، يعني فرغ من الصلاة، ولوا إلى قومهم منذرين، يعني مؤمنين، لم يعلم بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يشعر أنه صرف إليه، حتى أنزل الله عليه: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن}.

وروى أيضا الحافظ البيهقي في كتابه “دلائل النبوة” عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: ما قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الجن ولا رآهم، انطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها وانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهو بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللّه الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم {قالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً}، وأنزل اللّه على نبّيه صلى اللّه عليه وسلم {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} وإنما أوحي إليه قول الجن (أخرجه البيهقي ورواه البخاري ومسلم بنحوه)أهـ

وقد حصل لهؤلاء النفر من الجن من شرف المعرفة و سرعة التصديق بآيات الله مما جعلهم يفوزون بالحياة الكريمة في الحياة الآخرة ، وذلك لسرعة تصديقهم بآيات الله لما سمعوها ، و نطقهم بشهادة التوحيد التي هي موجبة للدخول في الجنة والنجاة من العذاب الأليم .