التجارة وسيلة من وسائل الكسب المشروعة ، وقد كان كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يشتغلون بالتجارة ، وعلى التجار أن يتحروا منهج الشرع في معاملتهم التجارية فإن الكثيرين منهم ينسى اتباع الشرع جريا وراء المكسب السريع من المال ؛ ولهذا جاء في الحديث: ” إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا، إلا من اتقى الله وبر وصدق ” (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح) .

ومن حق التاجر أن يعلن عن سلعته ، وأن يروج لها بشرط التزام الضوابط الشرعية في دعايته لسلعته والإعلان عنها .

فالإعلانات والدعايات الترغيبية من المعاملات المعاصرة التي لا تخرج عن إطار الضوابط العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية ، لكن لما كثرت التجاوزات في استعمال هذه الوسيلة الترغيبية فلابد من ذكر ضوابط تفصيلية خاصة تراعي المقاصد الشرعية والآداب المرعيّة ، فمن ذلك ما يلي :

أولاً : أن يحسن التاجر القصد في إعلانه ودعايته ، وذلك بأن يكون مقصوده تعريف الناس بمزايا سلعهم وخدماتهم ، وأن يطلعوا على ما لا يعرفونه من ذلك ، وما يحتاجون من معلومات عنها .

ثانياً : أن يلتزم الصدق في إعلانه ودعايته ، وذلك بأن يخبر بما يوافق حقيقة السلعة أو الخدمة ، فالصدق ركيزة أساسية في جميع المعاملات ، لاسيما في البيع فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) رواه البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام .

ومن لوازم تحري الصدق والعمل به تجنب الإطراء والمبالغات في وصف السلع والخدمات ؛ فإن تعاطي ذلك مجانب للصدق والبيان ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولا يُنفق بعضكم لبعض ) الترمذي أي : لا يروجها ليرغب فيها السامع فيكون قوله سبباً لابتياعها ، وقد عدَّ بعض أهل العلم الثناء على السلعة بما هو فيها نوعاً من الهذيان الذي ينبغي التحفظ منه ، وضابط هذا أنه يحرم على البائع كل فعل في المبيع يُعْقِب لآخذه ندماً .

ثالثاً : أن يتجنب الغش والتدليس في إعلانه ودعايته ، وذلك بأن يزين السلعة ،أو يخفي عيوبها، أو يمدحها بما ليس فيها ؛ فإن ذلك كله محرم كما تقدم بيانه .

رابعاً : ألاّ يكون في إعلانه ودعايته ذم لسلع غيره وخدماتهم ، أو تنّقص لهم ، أو إضرار بهم بغير حق لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك .

والضابط في ذلك : أن كل ما لو عومل به شق عليه وثقل ينبغي ألا يعامل به غيره ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ، ولا ضرار ) رواه أحمد وابن ماجه عن عبادة بن صامت .

خامساً : ألا يكون في إعلانه ودعايته ما يدعو إلى الإسراف والتبذير ؛ لكونهما من المناهي الشرعية ، قال تعالى : (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) المائدة : 31، والأنعام : 141، وقال تعالى : (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) الإسراء 26، 27.

سادساً : ألا يكون فيهما هتك لحرمة الشرع المطهر ، بأن يكون ترويج للمحرمات ، أو أن يصاحبهما شيء من المنكرات كإظهار النساء المتبرجات …إلخ .

سابعاً : ألا تكون الدعاية والإعلان باهظة التكاليف يتحمل عبئها المستهلك ، بل يجب أن تكون قاصراً على ما يحصل به المقصود من التعريف بالسلع والخدمات من غير زيادة تجر إلى رفع أسعارها .