هل يجوز ممارسة رياضة الملاكمة

من مقاصد الشريعة حفظ النفس الإنسانية من كل سوء تتعرض إليه، وأنه لا ضرر و لا ضرار كما أن الضرر لا بد أن يزال، ورياضة الملاكمة من الرياضات التي تقوي البدن، وتجعل من يمارسها يتمتع بصحة جيدة وبنيان قوي وهذا أمر محبب في الشرع، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، أما ما يعرف باسم ملاكمة المحترفين فهذه رياضة مكروهة في الشريعة الإسلامية؛ لأنها قائمة على إلحاق الضرر بالآخرين، كما أنها تركز على ضرب الوجه الذي جاء النهي صريحا في عدم توجيه أي أذى له، وكما ترتكز على التقليل من كرامة الإنسان والسخرية منه .

أما ملاكمة الهواة فمن يمارسها توفر له جميع التأمينات التي تفتقد في رياضة المحترفين مما يجعل حكمها الفقهي يختلف عن سابقتها .
يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد (في حكم ملاكمة المحترفين ):
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بإباحة كل ما يُفيد البدن ولا يضرّه وتحريم كلّ ما فيه اعتداء على البدن والإضرار به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن لجسدك عليك حقاً ) أخرجه البخاري.
والرياضة البدنية إذا كانت خالية من الممنوعات الشّرعية فمزاولتها مفيدة، وأما بالنسبة للملاكمة فهي لعبة رياضية قديمة، مارسها الإغريق.
والملاكمة أسوأ أنواع الألعاب الرياضية بل ربما لم تكن تستحق أن تسمى رياضة رغم أن دول الغرب بصورة خاصة – حيث تنتشر الملاكمة انتشاراً كبيراً على أساس الاحتراف – تسميها الرياضة النبيلة للدفاع عن النفس، لكنهم ينسون أو يتناسون أن الهدف الرئيسي هو إيذاء الخصم وطرحه أرضاً، ويفضل أن يكون ذلك بالضربة القاضية – كما يسمونها – وهي ذروة درجات الفوز في الملاكمة.

رياضة الملاكمة والمناداة بإيقافها

وقد ارتفعت أصوات كثيرة في برلمانات دول كثيرة تطالب بمنع ممارسة الملاكمة للمحترفين نظراً للأذى الذي يلحق بكثير من ممارسيها، بل نجحت السويد في ذلك؛ بينما فشلت دول كثيرة في تنفيذ هذا المنع، رغم الأذى اللاحق بالملاكمين المحترفين بل الوفيات العديدة التي تحدث نتيجة مباشرة هذه الرياضة العنيفة.
والحقيقة أن وفاة هذا العدد الكبير من الملاكمين كان السبب وراء ارتفاع أصوات كثيرة تنادي بإلغاء هذه اللعبة أو على الأقل وضع قواعد صارمة تحد من عنفها. ينظر: مجلة هنا لندن العدد 413 مارس 1983م .
ويقول الدكتور ( روجود وهرتي ) الناطق بلسان الهيئة الطبية البريطانية في ويلز عن أهداف الحملة التي تقوم بها الهيئة في هذا المجال: ( إننا نريد أن نظهر للعالم كله أن الملاكمة لعبة خطيرة للغاية، ليس بسبب تزايد عدد من يلقون حتفهم بسببها فحسب، ولكن بسبب العاهات التي تصيب أضعاف هذا العدد، وفي سبيل تحقيق ذلك، فإننا نحاول الضغط على هيئات رسمية مختلفة من أجل التنديد بهذه اللعبة، وعدم اعتبارها ضمن الألعاب الرياضية، وأؤكد هنا مرة ثانية أن خطورة اللعبة تكمن في الضرر الذي تلحقه بالمئات من ممارسيها نتيجة للعاهات التي تصيبهم ).
وقد وصل عدد الملاكمين الذي لقوا حتفهم نتيجة إصابات لحقت بهم في لعبة الملاكمة ثلاثمائة وخمسين ملاكماً منذ 1945 إلى حدود سنة 1983 ) عن مجلة هنا لندن العدد 413 مارس 1983م .

حكم رياضة الملاكمة شرعا

إن الأصول الإسلامية ترفض رفضاً باتاً أن يستسيغ التصور العام للأمة مثل هذا الانحراف الخطير في التوجه التربوي والفكري إلى حد يسمح بهذا الاقتتال العنيف بين أبناء الأمة بل الإنسانية جمعاء .
ونذكر من هذه الأصول:
الضرر يزال: وقد تقدم ما في هذه الرياضة من أضرار ومخاطر على حياة الإنسان بشهادة مختصين غربيين دفعهم شعورهم الإنساني إلى محاربتها والعمل على إقصائها من قاموس الرياضات العالمية.
انتهاك حرمة الوجه: إن رياضة الملاكمة تقوم على استباحة لَكْم وجه الخصم بأقصى قوة يملكها الملاكم، بل تعتبر من أكسب اللكمات نقطاً من أي منطقة أخرى من الجسد .
وهذا خرق سافر لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة : ( وإذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه ) أخرجه البخاري.
قال الحافظ: ( ويدخل في النهي كل من ضرب في حد أو تعزير أو تأديب، وقد وقع في حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود وغيره في قصة التي زنت ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها وقال : ( ارموا واتقوا الوجه ) أخرجه أبو داود ، وإذا كان ذلك في حق من تعين إهلاكه فمن دونه أولى ) .

قال النووي: ( قال العلماء: إنما نُهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأكثر ما يقع الإدراك بأعضائه، فيخشى من ضربه أن تبطل أو تتشوه كلها أو بعضها، والشين فيها فاحش لظهورها وبروزها بل لا يسلم إذا ضرب غالباً من شين ) .
وقال في الفتح في خصوص دلالة النهي الوارد في الحديث:
لم يتعرض النووي لحكم هذا النهي، وظاهره التحريم، ويؤيده حديث سويد بن مقرن الصحابي: أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لطم غلاماً فقال: ( أو ما علمت أن الصورة محترمة ) مسلم .