يجب الإيمان بأن لكل نبي حوضًا يرده الطائعون من أمته، وأن حوض النبي صلى الله عليه وسلم أكبرها وأعظمها، طوله مسيرة شهر، مربع الشكل، له ميزابان يصبان فيه من الكوثر، ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، كيزانه أكثر من نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا ظمأ ألم، ولو دخل النار يعذب بغير العطش، ويكون شربه منه أو من غيره ـ كالتسنيم ـ بعد ذلك لمجرد اللذة .

يرده الأخيار، وهم المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم الآخذون بسنته ، وسنة الخلفاء الراشدين المهدين. ويطرد عنه الكفار والمبتدعة ، الآخذون بالتحسين والتقبيح العقليين ، وكل من تعامل بالربا أو جار في الأحكام أو أعان ظالمًا ، أو جاوز حدًا من حدود الله تعالى.

وما ذكر ثابت بأحاديث مشهورة تفيد التواتر المعنوي، منها: حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن لكل نبي حوضًا وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة ، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة ” (أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب)
وحدث ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “حوضي مسيرة شهر ، وزواياه سواء ، وماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من ريح المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من يشرب منه فلا يظمأ أبدًا ” (أخرجه الشيخان)

وقال أنس رضي الله عنه: ” بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه ضاحكًا ، فقيل: ما أضحكك يا رسول الله ؟
قال: نزلت علي سورة آنفًا ، فقرأ: ” بسم الله الرحمن الرحيم ، إنا أعطيناك الكوثر” حتى ختمها قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: إنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء فيختلج العبد منهم فأقول: ربي إنه من أمتي فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك. (أخرجه أحمد والخمسة)
وقد اختلف في موضع الحوض من الصراط قبله أو بعده ، فصحح الإمام حجة الإسلام الغزالي أن الحوض قبل الصراط، وكذا القرطبي وقال: المعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشًا فناسب تقديم الحوض، وأيضاً فإنه من جاز الصراط لا يتأتى طرده عن الحوض فقد كملت نجاته.

ورجح القاضي عياض أنه يكون بعد الصراط وأن الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار، ويؤديه من جهة المعنى أن الصراط يسقط منه من يسقط من المؤمنين ويخدش فيه من يخدش، ووقوع ذلك للمؤمن بعد شربه من الحوض بعيد فناسب تقديم الصراط حتى إذا خلص من خلص شرب من الحوض.

وقيل: يشهد له ما تقدم من أن للحوض ميزابين يصبان فيه من الكوثر ولو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين وصول ماء الكوثر إليه ولكن وصول ذلك ممكن، والله على كل شيء قدير.
ويمكن الجمع بأن يكون الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم ، وبعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب حتى يهذبوا منها على الصراط.

هذا، ولو يقيم دليل صريح على شيء مما ذكر في موضع الحوض ، فالواجب اعتقاده هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حوضًا تعدد أو اتحد ، تقدم على الصراط أو تأخر، ولا يضرنا جهل ذلك، وقد جاء في رواية لأحمد عن الحسن عن أنس أن فيه من الأباريق أكثر من عدد نجوم السماء. وهذا إشارة إلى غاية الكثرة.
فاللهم اسقنا من حوض نبيك محمد عليه الصلاة والسلام .