الميزان المذكور في القرآن والسنة ، والذي سيكون في الآخرة هو آلة لوزن الأعمال الحسنة والأعمال السيئة ،( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ) ، وهو ميزان دقيق يزن الذرة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) .
وصفة هذا الميزان لا تعلم بالتحديد ، وعلينا أن نؤمن به دون السؤال عما غاب منه ، لأنه من الأمور الغيبية ، ولو كان في تفصيل أمرها فائدة لفصلها الله تعالى لنا ، أو فصله الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهناك بعض الأعمال تثقل الميزان كالتسبيح والتحميد وسائر الأذكار ، وكل الأعمال الصالحة تثقل الميزان.

يقول الشيخ عبد الحميد كشك ، من علماء الأزهر الراسخين – رحمه الله تعالى :

الميزان عبارة عن آلة للوزن ، توزن فيه أعمال من يحاسب، بقدرة الله تعالى دفعة واحدة، ولا يعلم كيفيته إلا الله تعالى ، والصنج ( كتل الوزن ، مثل الكيلو ونصفه ) مثاقيل الذر والخردل، تحقيقًا لإظهار تمام العدل قال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) [سورة الأنبياء: 47].
وقال: (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) [سورة الأعراف: 8].
قال: (فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * وما أدراك ماهيه * نار حامية ) [سورة القارعة: 6،7].

وقالت عائشة رضي الله عنها: ذكرت النار فبكيت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يبكيك” ؟ قلت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا : عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الكتاب حين يقال: (هاؤم اقرءوا كتابيه) [سورة الحاقة: 19] حتى يعلم أين يقع كتابه، أفي يمينه أم في شماله، أم من وراء ظهره ؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حتى يجوز ” أي : يعبر. [أخرجه أو داود].

وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله عز وجل يستخلص رجلاً من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر فيقول: أتنكر من هذا شيئًا ؟ فيقول: لا يا رب.
فيقول: أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر أو حسنة ؟ فيقول: لا يا رب، فيقول الله عز وجل: بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول: إنك لن تظلم. فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء “. [ أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب، والبيهقي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم].

وقالت عائشة رضي الله عنها: جاء رجل فقال: يا رسول الله: إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فيكف أنا منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وكذبوك وعصوك، وعقابك إياهم ، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كَفافًا، لا لك ولا عليك ، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم ، كان فضلاً لك ، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل . قال: فتنحى الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تقرأ كتاب الله عز وجل: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئًا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) [سورة الأنبياء: 47]، فقال الرجل: “والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئًا خيرًا من مفارقتهم، أشهدكم أنهم كلهم أحرار” [أخرجه أحمد والترمذي وقال: حديث غريب]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم “. [أخرجه الشيخان وأحمد والترمذي وابن ماجه]
ومما تقدم يُعلم أنه يوزن عمل كل من يُحاسب حتى من لا حسنة له ليزداد خزيًا على رءوس الأشهاد، وبالوزن يظهر العدل في العذاب والعفو عن الآثام.