من أهم الحقوق للمريض على أهله وذويه : أن يتكفلوا بنفقة علاجه إذا لم يكن لديه من سعة المال ما يمكنه من ذلك، وكان لديهم من السعة واليسار ما يقدرون به على ذلك : من العرض على الطبيب المختص، وأجرة الدواء، وما يلزم من دخول المستشفى، وإجراء الفحوص الضرورية، أو العملية الجراحية، وذلك في حدود مقدرتهم وحاجته، دون إسراف ولا تقتير ” على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ” (البقرة : 236).
” لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها “. (الطلاق : 7).
وليس هذا لازمًا لكل مرض، بل المرض الذي يؤلم صاحبه أو يخشى ازدياده أو يعطله عن واجب، وله علاج مجرب وناجح، وفق ما جرت به سنن الله في الناس.
وكلما كان المرض أشد، والدواء أنجع، والمريض أحوج إلى العون، كانت النفقة على علاجه من أعظم القربات، فإن من نفس عن مسلم كربة من كربات الدنيا نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . ” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا “. (المائدة : 32).
وليس من اللازم أن يتحمل القريب أو الصديق – أيضًا – كل نفقات العلاج، فقد يساهم في جزء منه مع غيره ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ” (الزلزلة : 7) ويمكن أن يكون ذلك قبل العلاج، ويمكن أن يكون ذلك بعد العلاج، حين يطلب من المريض عند خروجه من المستشفى مبلغ كبير لا يقدر على دفعه، فمن أغاث لهفته في تلك الساعة الحرجة كان من الله بمكان.
وأهل المريض – بالنسبة للإنفاق على علاجه – ينقسمون إلى قسمين:
1 – قسم من الناس يبخل على المريض بما يحتاج إليه من نفقات العلاج، والغذاء وكل ما يعينه على استرداد عافيته، ولو كان هذا المريض أمه التي ولدته، أو أباه الذي رباه، أو ابنه وفلذة كبده، أو زوجته وأم أولاده، وهؤلاء يكون المال أعز عليهم من أهليهم وأقرب الناس إليهم.
فقد تكون راحة المريض وشفاؤه في دواء ناجح مجرب، وصفه له طبيب مختص، أو في إجراء عملية جراحية معتادة يجريها له نطاسي ماهر، أو في دخول مستشفى أو مصحة فترة من الزمن يكون فيها تحت الرعاية الشاملة، ويحتاج كل ذلك إلى قدر من المال يبذل لإنفاذ المريض، فلا تجود أنفس أهله به، ولا تنبسط أيديهم ببذله، نتيجة لغلبة الشح، والشح أحد المهلكات وفى الحديث الصحيح : ” اتقوا الشح، فإنه أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ” (رواه مسلم في كتاب البر والصلة من صحيحه من حديث جابر برقم 25 78).
2 – وقسم أخر من أهالي المرضى، يتباهون بالإنفاق عليهم، فيما ينبغي وما لا ينبغي، وفيما يحتاج إليه، وما لا يحتاج إليه، تظاهر بالغنى، ومكاثرة بالمال، ومراءاة للناس.
فتراهم ينتقلون بمريضهم من طبيب إلى طبيب ومن مستشفى إلى غيره، ومن بلد إلى آخر، مع أن المرض قد عرف، والتشخيص قد اتضح، والأطباء قد وقفوا فيه عند حد انتهت إليه قدرتهم، وعجز عما بعده علمهم ولم يبق إلا ما هو أكبر منهم : أمر الله الذي لا مرد له، بالعافية أو بالموت، وكثيرًا ما يكون في هذا التنقل زيادة متاعب على المريض لا ضرورة إليها، فضلاً عن متاعبهم هم من وراء ذلك.
وكثيرًا ما يكون المريض أقرب إلى الموت، وأولى به أن يموت في بلده وبين أهله وأرحامه وخلانه، ولكن المبالغة في إظهار العناية به، وعدم البخل عليه، وإبراز القدرة على الإنفاق، وإن بلغ ما بلغ، قد يؤدى إلى هذه المبالغة.
وأولى بهم أن ينفقوا هذا المال – باسمه – صدقة في وجوه الخير، وخصوصًا على المستشفيات الخيرية، وعلاج الفقراء وذوى الدخل المحدود من الناس . فهذا قد يدفع بعض المنتفعين به إلى الدعاء له بالشفاء بظهر الغيب، فيستجيب الله له . ولهذا ورد في الحديث : ” داووا مرضاكم بالصدقة ” (رواه أبو الشيخ في الثواب عن أبى أمامة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير).
ولو وضع هذا المال في صورة صدقة جارية، فإن له أجره ما دام ينتفع به منتفع إلى يوم القيامة.