ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز تفويض أمر الطلاق إلى الزوجة.

يقول فضيلة الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر :
من المُقَرَّر شرعًا أن الطلاق حق من حقوق الرجل، وله أن يُطَلِّق زوجتَه بنفسه، وله أن يفوضَها في تطليق نفسها، والأصل في التفويض بالطلاق قولُه تعالى: (يا أيها النبيُّ قُلْ لأزواجِك إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدنيا وزينتَها فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جميلًا. وإنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ فإنَّ اللهَ أَعَدَّ للمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أجرًا عظيمًا) (الأحزاب: 28 ـ 29) وفي هذا دلالة على أن زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو اختَرنَ أنفسَهنَّ كان ذلك طلاقًا، ولم يختلف في ذلك أحد من الفقهاء.
ومن هذا النص أخذ جمهور الفقهاء تفويض أمر الطلاق إلى الزوجة أثناء قيام الزوجية.
والظاهرية يَرَونَ أن التفويض لا يجوز، ولكن المأثور عن عامة الصحابة إجازة التفويض.

والتفويض يصح قبل الزواج ويصح عند إنشائه ويصح بعده، وهذا عند الحنفية، وذلك لأنه تعليق، وتعليق الطلاق قبل الزواج جائز، وخالفوا بذلك أكثرَ الأئمة، فإذا كان التفويض عند إنشاء الزواج بصيغة لا تتضمن تعليقه على إتمام الزواج، فإن كان المبتدئ بالإيجاب هي الزوجة أو وكيلها وقَبِلَ الزوج الشرط يتم الزواج، ويكون الشرط صحيحًا، ويَحِق لها تطليقَ نفسها على ما اشترطت، وذلك لأن سبقها بالإيجاب مع الشرط ، وتعقيبه بالقبول مع قبوله الشرط يكون التفويض قد تم بعد إنشاء الزواج، والتفويض بعد الزواج جائز في أي وقت من غير تقييد بتَعَلُّق مُعين.

أما إذا كان السابق بالإيجاب هو الزوج، وتم العَقْد، فقبلت الزواج بشرط الزوج، فإن الزواج يتم صحيحًا، ولا يكون التفويض؛ لأن التفويض وقع قبل الزواج، ولم يُعَلّق عليه، فوقع التفويض قبل أن يَملِك الطلاق، ولكن الصيغة صحيحة، وينشأ عَقْد الزواج، ويكون اشتراط التفويض لغو لا يُلتفت إليه، وهذا عند أبي حنيفة، وخالفه جمهور الفقهاء في ذلك اعتمادًا على أن العَقْد يتم بتمام الإيجاب والقَبول بين المتعاقدَين، ولا يُشترط لصحة العَقْد عند الجمهور تأخر لفظ الصيغة من الزوجة، أو مَن ينوب عنها وهو الوليّ أو الوكيل عنه عن صيغة الزواج، وهذا يتفق وقواعدَ الحنفية في العقود الرِّضائِية، ولحديث: “لها ما اشْتَرَطَتْ” ولحديث: “إن أحق الشروط ما استحللتم به الفروج”.

فإذا المأذون أثبت في وثيقة عَقْد الزواج هذه الصيغة : “قد اتفق الزوجان على أن تكون العِصْمَة بيد الزوجة، لها أن تطلق نفسها متى شاءت وأين شاءت وبأي عدد تشاء” ففي هذه الحالة يكون عَقْد الزواج صحيحًا، والتفويض صحيح، ولها أن تُطَلِّق نفسَها بشرطها، ويكون الطلاق واقعًا لو طلَّقَت نفسَها بمُقتضى هذا التفويض؛ وذلك لأن المأذون لم يوضح بوثيقة الزواج مَن السابق بالإيجاب ومَن اللاحق له بالقبول، واليقين لا يزول بالشك.

أما إذا الزوج عَرَضَ على الزوجة أن تكون العِصْمَة بيدها، فهذا العَرْض إن كان قبل العَقْد صَحَّ العَقْد وصح التفويض ويكون طلاقها لنفسها صحيحًا.
أما إذا كان العَرْض أثناء انعقاد الزواج وعلَّق زواجه بها على الشرط، فإن كانت الزوجة هي التي بدأت بالإيجاب بعد العرض عليها واشترطت لنفسها وقَبِلَ الزوج ذلك كان العَقْد والتفويض صحيحين، ولها أن تطلق نفسها على شرطها.
أما إذا كان الزوج هو الذي بدأ بالإيجاب وعلَّق زواجه بها على الشرط، فيرى الإمام أبو حنيفة أن العَقْد صحيح والتفويض لم يقع؛ لأن التفويض منه وقع قبل أن يملك الزواج، ولا يصح أن تطلق نفسها في هذه الحالة؛ لأن فاقد الشيء لا يُعطيه لغيره. ويرى بعض العلماء أن العَقْد صحيح والتفويض صحيح.
ويرى الإمام الشافعيّ أن التفويض ككل العقود لا يتم إلا بالإيجاب والقَبول سواء كان الإيجاب صادرًا من الزوج أولاً أم من الزوجة.