لم يبح الشرع للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، ولم يستثن العلماء من ذلك إلا صلة الرحم ، وهو أمر خلافي بين الفقهاء، ولكن لم يبح أحد للمرأة أن تسافر بغير إذن زوجها، سواء أكان ذلك للعمل، أم للدراسة، أم لأي أمر آخر، لما في سفر المرأة من تفويت كثير من الحقوق على الزوج بدون رضاه، ولا يعني ذلك حبس المرأة، بل هو تنظيم للحياة الاجتماعية، فإنه لا مانع من سفرها،  ولكن بعد إذن الزوج في ذلك، والأمور تقدر بقدرها، فإن دعوى حرية المرأة أقل بكثير من تفويت حقوق الزوجية، التي على أساسها تبنى البيوت .

يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :
اهتم الإسلام بالمرأة وجعل لها من الحقوق مثل ما جعل للرجل، وراعَى الشارع في بعض الأحكام طبيعة المرأة وما جُبلَت عليه فاختصَّها ببعض الأحكام التي تتحقق بها صيانتها وحمايتها ومصلحتها . وعقد النكاح كسائر العقود الشرعية رتَّب الشارع عليه حقوقًا والتزاماتٍ متقابلةً بالنسبة لكل من الزوجين في مقابلة الآخر، ومن هذه الحقوق القَرارُ في بيت الزوجية وعدم خروج الزوجة منه إلا بإذن الزوج، وقد ورد في ثبوت هذا الحق للزوج أحاديث كثيرة.

-قال النبي :لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق.

-وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك أن النبي قال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه.

 -ولما أرادت إحدى النساء وصية من النبي قال:  أذاتُ بعلٍ أنتِ؟  فلما أجابت بإيجاب قال:انظري أين أنتِ منه فإنما هو جنتكِ وناركِ.

وعدم خروج المرأة من منزل الزوجية إلا بإذن الزوج وإن كان أصلًا إلا أن الفقهاء أوردوا عليه استثناءً بمقتضاه يكون للزوجة الحقُّ في زيارة والدَيها وعيادتِهما في مرضهما، بل وتمريضهما وخدمتهما ومواساتهما في مُصابهما والخروجِ لذلك وإن لم يأذَن الزوج، وأجازوا لها الخروج لبعض ذلك مع سائر الأقارب غير الوالدَين بضوابط اعتبروها لذلك، ولا تُعَدّ ناشزًا بخروجها لذلك باعتباره من الإحسان للوالدَين وصلة الرحم المأمور بهما .

وقرار الزوجة في منزل الزوجية كحقٍّ قرَّره الشارع للزوج على زوجته لم يُقصد منه حبس الزوجة في منزل الزوجية أو تقييد حريتها في الخروج منه أو الدخول إليه، وإنما قُصد به القيام على أمر هذا المنزل ورعايته والمحافظة على ما فيه، باعتباره الواحةَ التي تَفَيَّأ الزوجُ المكدود ظلَّها بعد عناء البحث عن أسباب الحياة له ولزوجه وأولاده، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها.

ومقتضى مساءلتها عن رعايتها لهذا البيت أن تَقَرَّ فيه ولا تخرجَ منه إلا لما تقتضيه مصلحته إن أَذِنَ لها في الخروج، وليس من رعايتها لبيت الزوجية أن تخرج منه مسافرةً للعلم بدون رفقة الزوج وبدون إذنه، بل هو تقويض لبنيانه وتفويتٌ لحقٍّ شرعيٍّ أوجبه الشارع للزوج على زوجته، وإخلافٌ لقول الحق سبحانه:(ومن آياته أن خلَق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها) الروم : 21 . لفوات الاستئناس والاستراحة إلى الزوجة بسفرها بدون رفقه الزوجة، ومعصيةٌ لله سبحانه الذي رتَّب هذا الحقَّ للزوج على عقد النكاح الصحيح.

وإذا كان الحق سبحانه قد أوجب على كل من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف بقوله سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) البقرة 228 . وقوله تعالى: (عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء : 19 . فإن سفر المرأة بدون إذن الزوج ليس من المعاشرة بالمعروف، وتلك معصية أخرى تضاف إلى السابقة، فضلًا عما فيه من حرمان الزوج من حق معاشرة زوجته وما يقتضيه من قضاء الوَطَر فيما أحلَّ له بعقد النكاح، وتَسَبُّبُها في حرمانه من ذلك معصيةٌ ثالثة قد تستتبع العديد من المفاسد إذا قلَّ الوازع الدينيّ لدى الزوج أو اندثَرَ، وقد تَهوِي في هذه المفاسد إذا توافر لها أسبابها .

والغالب في سفر المرأة الذي لا يأذن به الزوج السفرُ للعمل، ولا يُعَدّ هذا مبرِّرًا مشروعًا لسفر المرأة بعد أن أوجب الشارع نفقتها على زوجها بنصوص عدة، منها قول الله تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)الطلاق : 7 . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله في النساء؛ فإنهنَّ عوان عندكم، أخذتموهنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، لكم عليهنَّ ألا يوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرهونه، ولهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف “.

ولم يوجب على الزوجة في حال عسر الزوج أن تتكسب لتنفق على نفسها أو زوجها أو بنيها، ليكونَ لها تبعًا لذلك السفرُ للعمل، وإنما أوجب الشارع للزوجة هذا الحقَّ على الزوج في جميع الأحوال. ودعاوى الحاجة وزيادة النفقة وأعباء الحياة ونحو هذا، مما يُبديه البعض مبرِّرًا لتكسُّب المرأة وسفرها لأجله، لا يُلغي نصوص الشرع ولا يُخصصها، ومن ثَمَّ فإن سفر المرأة للعمل أو نحوه بدون استئذان الزوج لا يَحلّ، لما سبق ذكره، وتُعَدّ به المرأةُ ناشزًا، وَفْقًا لما قرره الفقهاء في أسباب النشوز وما يترتب عليه .
واشتراط سفر المرأة، وإن لم يأذن الزوج فيه، في صلب عقد النكاح هو من قبيل اشتراطِ ما لا يَقتضيه العقد ولا يؤكد مقتضاه، ولم يَقُمْ دليل شرعيّ على وجوب الوفاء به، ومثل هذا يكون شرطًا باطلًا فيُلغَى، عند جمهور الفقهاء، ولا يؤثر على عقد النكاح ولا يجب الوفاء به .