المعتبر شرعاً في إثبات شهر رمضان هو الرؤية البصرية، وقد اختلف العلماء في ( اختلاف المطالع ) فمن العلماء من ذهب إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع لأنه يجمع المسلمين ولا يفرقهم، وقد رجحت لجنة الفتوى في الأزهر الشريف هذا الرأي لأنه يجمع شمل المسلمين ويعمل على توحيدهم لا تفريقهم، وهذا مقصد من مقاصد الشارع الحكيم.

والثابت واقعيا والمشاهد حسيا وتأكد علميا أن الهلال عند ظهوره قد يرى في سماء بعض البلاد بعد غروب الشمس ، ولا يرى في بلاد أخرى إلا في الليلة التالية إذ قد تكون الرؤية متيسرة في بعض الأقطار متعسرة في بعض آخر ، ومن هذا الواقع يصبح اختلاف مطالع الأهلة أمرا واقعيا وظاهرة مستمرة لا جدال فيها وتبعا لهذا اختلفت كلمة فقهاء المسلمين فيما إذا كان اختلاف مطالع القمر مؤثرا في ثبوت ظهوره، وبالتالي مؤثرا في الأحكام المتعلقة بالأهلة كالصوم والإفطار والحج والأضحية أو غير مؤثر فلا عبرة باختلاف المطالع .‏ بمعنى أنه إذا ثبت رؤية الهلال في أي بلد إسلامي ثبتت في حق جميع المسلمين على اختلاف أقطارهم على ظهر أرض الله متى بلغهم ثبوته بطريق صحيح أو أن اختلاف المطلع يعتبر فيلتزم أهل كل بلد مطلعه، ذلك ؛ لأن الشارع الحكيم قد أناط الصوم برؤية الهلال فقال الله سبحانه {‏ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}‏ البقرة ‏185 ، وأبان الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله في الحديث المتفق عليه (‏ صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته )‏ وأجمع المسلمون على أن استبصار هلال رمضان واجب كفائي، وليس فرض عين فيكفي أن يلتمسه بعض المسلمين سندا على ما هو ثابت في السنة الصحيحة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم .‏

ففي فقه الحنفية أن ظاهر المذهب ..أنه لا عبرة باختلاف المطالع فمتى ثبتت رؤية الهلال في بلد بالمشرق مثلا لزم ذلك سائر البلاد شرقا وغربا؛ لعموم الخطاب في حديث (‏ صوموا لرؤيته ) وذهب آخرون من فقهاء المذهب إلى اعتبار اختلاف المطالع نص على هذا الزيلعى -‏ والفتوى في المذهب على القول الأول .

وفي الفقه المالكي أقوال ثلاثة :
الأول :أنه لا اعتبار لاختلاف المطالع قربت البلاد أو بعدت .‏

الثاني :اعتبار اختلاف المطالع بمعنى أنه إذا ثبتت الرؤية عند حاكم فلا يعم حكمها إلا من في ولايته فقط
الثالث:يعتبر اختلاف المطالع بالنسبة للبلاد البعيدة جدا كالحجاز والأندلس كما أورده ابن جزى في كتابه القوانين الفقهية، وكما ورد في مواهب الجليل وفي الشرح الكبير .‏
ولكن مقتضى ما جاء في مختصر خليل أن الفتوى على ما جاء فيه : أن المشهور في المذهب عدم اعتبار اختلاف المطالع وهو ما صرح به الحطاب .‏

وفي فقه الشافعية:
قال الإمام النووي في كتابه المجموع شرح المهذب للشيرازي في كتاب الصيام في الجزء السادس ما موجزه: أنه إذا رئي هلال رمضان في بلد، ولم ير في غيره فإن تقارب البلدان فحكمهما حكم بلد واحد بلا خلاف، وإن تباعدا فوجهان مشهوران أصحهما لا يجب الصوم على أهل البلاد الأخرى -‏ والثاني: يجب ، والأصح الأول ..

وفيما يعتبر فيه البعد والقرب ثلاثة أقوال: أصحها أن التباعد باختلاف المطالع كالحجاز والعراق وخراسان، والتقارب كبغداد والكوفة .

الثاني:  أن الاعتبار باتحاد الإقليم واختلافه فإن اتحدا فمتقاربان، وان اختلفا فمتباعدان .

‏ والثالث:  أن التباعد مسافة قصر الصلاة والتقارب دونها .‏

وفي فقه الحنابلة:
نصَّ ابن قدامة في كتابه المغنى في (باب الصوم) في أوائل الجزء الثالث على أنه (‏ وإذا رأي الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم )‏ .وهذا قول الليث ، وبعض أصحاب الشافعى ثم ساق استدلاله بآية {‏ فمن شهد منكم الشهر فليصمه }‏ وببعض ما ورد في كتب السنة .وفقه الزيدية والشيعة الإمامة مختلف كذلك في عدم اعتبار اختلاف المطالع في ثبوت هلال رمضان أو في اعتباره، فقال الهادوية والإمام يحيى عن الزيدية بأن اختلاف المطالع معتبر فإذا ثبتت رؤية الهلال في بلد فلا يسرى حكمها على بلد آخر مختلف المطلع بل قد جاء في البحر الزخار: أن الرؤية لا تعم في الأقليم الواحد إن اختلف ارتفاعا وانحدارا، وفي سبل السلام للصنعاني والأقرب لزوم بلدة الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها واختار المهدي وجماعة من الزيدية تعميم الحكم والشهادة بالرؤية جميع البلاد .‏

وقال الشوكاني:وهو الذي ينبغي اعتماده وذهب إليه جماعة من الإمامية .‏ من هذا العرض الوجيز لكلمة فقه الإسلام على اختلاف مذاهبه التي بأيدينا كتبها نرى أن الفقهاء مختلفين في اعتبار اختلاف مطالع الأهلة فيلتزم أهل كل قطر بمطلعه أو أنه لا اعتبار باختلاف المطالع فمتى ثبتت رؤية هلال رمضان في بلد لزم سائر الناس شرقا وغربا متى وصلهم خبر ثبوت الرؤية بطريق صحيح، وأن الخلاف في هذا ليس بين مذهب فقهي وآخر فحسب ، وإنما قد شجر الخلاف بين فقهاء المذهب الواحد في هذا الموضع .‏
والذي يرجح القول المردد في جميع هذه المذاهب، والذي يقرر أنه لا عبرة باختلاف المطالع؛ لقوة دليله ولأنه يتفق مع ما قصده الشارع الحكيم من وحدة المسلمين فهم يصلون إلى قبلة واحدة ويصومون شهرا واحدا ويحجون في أشهر محددة والى مواقيت ومشاعر معينة وعلى هذا فانه متى تحققت رؤية هلال رمضان في بلد من البلاد الإسلامية يمكن القول بوجوب الصوم على جميع المسلمين الذين تشترك بلادهم مع البلد الإسلامي الذي ثبتت الرؤية في جزء من الليل ما لم يقم ما يناهض هذه الرؤية وشكك في صحتها امتثالا لعموم الخطاب في الآية الكريمة والحديث الشريف السالفين.‏
على أنه يجب أن يكون واضحا عند تلاوة قول الله سبحانه {‏ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }‏ أن الشهود في الآية ليس معناه الرؤية وإنما هو الحضور والإقامة ويكون المعنى والله أعلم من حضر شهر رمضان وأدرك زمنه فواجب عليه أن يصوم متى كان مكلفا بالصوم ولم يقم به عذر..
‏ ومما سلف نرى أنه يجب على جميع المسلمين في شتى أنحاء الأرض أن يصوموا رمضان إذا ثبتت رؤية هلاله ثبوتا شرعيا في قطر من أقطار المسلمين دون شك في صحتها، فإذا لم تثبت كان عليهم إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ومتى أتموه بهذه العدة تعين دخول رمضان عملا بقول الرسول صلى الله عليه سلم (‏ صوموا لرؤيته )‏ فإكمال شعبان ثلاثين يوما يكون متى لم تثبت رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين سواء كان عدم الرؤية بسبب وجود ما يحول دونها من سحب أو غيوم أو غبار أو مع صفاء السماء من هذه الموانع متى قطع أهل الحساب أن هلال رمضان يولد ويغرب قبل غروب شمس يوم ‏29 من شعبان -‏ أما إذا قطعوا بأن هلال رمضان يولد يوم ‏29 من شعبان، ويمكث فوق الأفق بعد غروب شمس هذا اليوم مدة يمكن رؤيته فيها فإنه في هذه الحالة يعمل بقول أهل الحساب الموثوق بهم، ويثبت به دخول شهر رمضان بناء على ما ذهب إليه بعض الفقهاء من جو العمل بالحساب الموثوق به الدال على الوضع الهلالي وإمكان الرؤية بعد غروب شمس يوم ‏29 من الشهر السابق -‏ هذا وإن كان الاختلاف بين الفقهاء على أشده في مبدأ العمل بقول أهل الحساب .ولكن الرأي المتقدم هو ما حققه ، واختاره بعض الثقات من علماء الفقه والفتوى.‏

ولقد انتهى مؤتمر علماء المسلمين المنعقد بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في دورته الثالثة في جمادى الآخرة ‏1386 هجرية -‏ أكتوبر ‏1966 م في تحديد أوائل الشهور القمرية إلى القرار الآتي:
(‏أ)‏ يقرر المؤتمر ما يلي :

‏1 -‏ أن الرؤية هي أصل في معرفة دخول قمري كما يدل عليه الحديث الشريف فالرؤية هي الأساس، لكنه لا يعتمد عليها إذا تمكنت فيها التهم تمكنا قويا .‏

‏2 -‏ يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة كما يكون بخبر الواحد ذكرا كان أو أنثى .إذا لم تتمكن التهمة في أخباره لسبب من الأسباب ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يوثق به .‏

‏3 -‏ خبر الواحد ملزم له ولمن يثق به -‏ أما إلزام الكافة فلا يكون إلا بعد ثبوت الرؤية عند من خصصته الدولة الإسلامية للنظر في ذلك

‏4 -‏ يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر إذا لم يتحقق الرؤية ، ولم يتيسر الوصول إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يوما .

(‏ب)‏ يرى المؤتمر أنه لا عبرة، باختلاف المطالع وإن تباعدت الأقاليم متى كانت مشتركة في جزء من ليلة الرؤية وإن قل ويكون اختلاف المطالع معتبرا بين الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة ‏ .