وليمة العرس سُنة مُؤكَّدة لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الرحمن بن عوف حين تزوَّج: “أَوْلِمْ ولو بشاة”. وقد كان النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُولِمُ على كل مَن يَتزوَّجُها بطعامٍ يجمع الناس عليه حسب ما تيسَّر له.

ورَوى أحمد في مسنده بسندٍ لا بأس به عن بُريدة ـ رضي الله عنه ـ قال: لمَّا خطَبَ عليٌّ فاطمةَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنه لا بدَّ للعُرس مِن وَليمةٍ”

وسُمِّيتِ الوليمةُ وليمةً لاجتماع الناس عليها، مأخوذةً من الوَلْمِ وهو الاجتماع. ولكن لا يُقال لكل ما يجتمع الناس عليه وَليمةٌ وإنما اشتهر اجتماع الناس على الطعام في العُرس خاصة باسم الوَليمة .

فيُسنُّ لأهل العَروسَينِ أن يُقيموا للمَدعوِّينَ وغيرهم من الفقراء والمساكين وليمةً مما يتيسَّر لهم من طعام وشراب وحلوَى، من غير إسراف ولا كُلْفةٍ، ولا بأس أن تكون الوليمة من قبَل الزوج أو الزوجة أو منهما معًا تبعًا للأعراف والتقاليد .

وتُقام هذه الوليمة قبل الدخول مُباشرة أو بعده بيوم أو يومَينِ أو ثلاثة بحسب مُقتضيات العُرف .

وأما إجابة الداعي فمُستحبَّة ما لم يكن في الوَليمة ما يُخالف الشرْع، وكان وقته يَسمح بذلك، وإلا قدَّم اعتذارًا مُهذَّبًا، ولا ينبغي أن يَعِدَ بالحضور وهو لا يُريده، فإنه بذلك يكون مُخلِفًا للوعْد مُتَسبِّبًا في قطيعة الداعي له وغَضبه منه، وخلْف الوَعد كما تعلَم علامة مِن علامات النِّفاق .

وقيل إن إجابة الداعي في وليمة العُرس واجبة ما لمْ يكن هناك عُذرٌ مانع، لمَا رَوى البخاريُّ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا دُعِيَ أحدُكم إلى وليمة فلْيَأْتِهَا. ورَوى البخاريُّ أيضًا عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَن ترَكَ الدعوةَ فقد عَصَى اللهَ ورَسولَهُ “.
وقيل إن إجابة الداعي فرْضُ كِفاية إذا قام بها البعضُ سقطتْ عن الباقينَ .
هذا إذا كانت الدعوة له خاصَّةً .

أما إذا كانت الدعوة عامَّةً غير مُعيِّنة لشخص أو جماعة لم تَجبِ الإجابة ولم تُستحب، مثل أن يقول الداعي: أيها الناس أجِيبوا إلى الوَليمة. دون تَعيين، أو: ادْعُ مَن لَقِيتَ. كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم. قال أنس : تزوَّج النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدخل بأهله فصنعَتْ أمِّي أمُّ سليم، حِيسًا فجعلتْه في تَوْرٍ، فقالت: يا بُنيّ اذهبْ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذهبتُ به، فقال: “ضَعْهُ” ثم قال: “ادعُ فلانًا وفلانًا ومَن لَقِيتَ” فدعوتُ مَن سمَّى ومَن لَقِيتُ” (رواه مسلم).

هذا ويُكره في الوَليمة دعوةُ الأغنياء دون الفقراء، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “شرُّ الطعامِ الوليمةُ يُمنَعُها مَن يأتيها ويُدعَى إليها مَن يَأباها، ومَن لم يُجبِ الدعوة فقد عصَى اللهَ ورسولَه” (رواه مسلم ).