إذا انتقض وضوء المرء، وهو في الصلاة وجب عليه أن يخرج من الصلاة ،ولا يجوز للإنسان أن يصلي بلا وضوء، وله أن يتوضأ ويكمل الصلاة على رأي الأحناف،ويرى الجمهور أن الصلاة بطلت ،ولابد أن يتوضأ ويبدأ الصلاة من جديد.
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا صلى أحدكم فأحدث فليمسك على أنفه ثم لينصرف).
(أخرجه ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء فيمن أحدث في الصلاة كيف ينصرف؟ رقم (1222).
وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات).
قال ابن الأَثير: إنما أَمَره بذلك ليُوهِمَ المُصَلِّين أَن به رُعافاً، قال: وهو نوع من الأَدب في سَتْرِ العَوْرَة وإخْفاء القَبيحِ، والكنايةِ بالأَحْسَن عن الأَقْبح.
قال: ولا يدخل في باب الكذب والرياء وإنما هو من باب التَّجَمُّل والحَياء وطلَبِ السلامة من الناس.

وجاء في الموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية :

إذا طرأ عليه الحدث وهو في الصلاة ‏،‏ فجمهور الفقهاء ‏،‏ وهم المالكية والشافعية وهو الصحيح عند الحنابلة يرون بطلان الصلاة ، غلبة كان الحدث أو نسيانًا ‏،‏ سواء أكان المصلي فذًا أم مأمومًا أم إمامًا ‏،‏ لكن لا يسري بطلان صلاة الإمام على صلاة المأمومين عند من يجيزون الاستخلاف ‏.‏

وعلى ذلك فمن سبقه الحدث في الصلاة تبطل صلاته ويلزمه استئنافها ‏،‏ لما روى علي بن طلق قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة ‏}‏ ولأنه فقد شرطًا من شروط الصلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلا بعد زمن طويل وعمل كثير ففسدت صلاته ‏.‏ ‏

‏وقال الحنفية ‏:‏ إن سبق المصلي حدث توضأ وبنى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام ‏:‏ ‏{‏ من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي ‏،‏ فلينصرف ‏،‏ فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم ‏}‏ لأن البلوى فيما سبق فلا يلحق به ما يتعمده ‏.‏ والاستئناف أفضل تحرزا عن شبهة الخلاف ‏.‏ ‏

‏وقد فصل الكاساني أحد فقهاء الحنفية ذلك فقال ‏:‏ إذا سبقه الحدث ثم تكلم أو أحدث متعمدًا أو ضحك أو قهقه أو أكل أو شرب أو نحو ذلك لا يجوز له البناء لأن هذه الأفعال منافية للصلاة في الأصل فلا يسقط اعتبار المنافي إلا لضرورة ولا ضرورة ‏،‏ وكذا إذا جن أو أغمي عليه أو أجنب ؛ لأنه لا يكثر وقوعه فكان للبناء منه بد ، وكذا لو أدى ركنًا من أركان الصلاة مع الحدث أو مكث بقدر ما يتمكن فيه من أداء ركن لأنه عمل كثير ليس من أعمال الصلاة وله منه بد ‏،‏ وكذا لو استقى من البئر وهو لا يحتاج إليه ولو مشى إلى الوضوء فاغترف الماء من الإناء أو استقى من البئر وهو محتاج إليه فتوضأ؛ جاز له البناء ؛لأن الوضوء أمر لا بد للبناء منه والمشي والاغتراف والاستقاء عند الحاجة من ضرورات الوضوء ‏،‏ ولو افتتح الصلاة بالوضوء ثم سبقه الحدث فلم يجد ماء تيمم وبنى ؛لأن ابتداء الصلاة بالتيمم عند فقد الماء جائز فالبناء أولى ‏،‏ وفي بيان كيفية البناء قال الكاساني ‏:‏ المصلي لا يخلو إما أن كان منفردًا أو مقتديًا أو إمامًا ‏.‏ ‏

‏فإن كان منفردًا فانصرف وتوضأ فهو بالخيار إن شاء أتم صلاته في الموضع الذي توضأ فيه ، وإن شاء عاد إلى الموضع الذي افتتح الصلاة فيه.

لأنه إذا أتم الصلاة حيث هو فقد سلمت صلاته عن المشي لكنه صلى صلاة واحدة في مكانين ‏،‏ وإن عاد إلى مصلاه فقد أدى جميع الصلاة في مكان واحد، لكن مع زيادة مشي فاستوى الوجهان فيخير.‏

وإن كان مقتديًا فانصرف وتوضأ فإن لم يفرغ من الصلاة فعليه أن يعود؛ لأنه في حكم المقتدي بعد ولو لم يعد وأتم بقية صلاته في بيته لا يجزيه ‏.‏ ثم إذا عاد ينبغي أن يشتغل أولاً بقضاء ما سبق به في حال تشاغله بالوضوء ‏،‏ لأنه لاحق فكأنه خلف الإمام فيقوم مقدار قيام الإمام من غير قراءة ‏،‏ ومقدار ركوعه وسجوده ‏،‏ ولا يضره إن زاد أو نقص ‏،‏ ولو تابع إمامه أولاً ثم اشتغل بقضاء ما سبق به بعد تسليم الإمام جازت صلاته خلافًا لزفر.

وإن كان إمامًا يستخلف ثم يتوضأ ويبني على صلاته ‏،‏ والأمر في موضع البناء وكيفيته على نحو ما سبق في المقتدي ‏،‏ لأنه بالاستخلاف تحولت الإمامة إلى الثاني وصار هو كواحد من المقتدين به.