أخف ما يمكن أن يقال في هذه المسألة هو أن المشاهدة إن كانت بغرض الاستفادة وتنمية الجانب الثقافي، فلا بأس بها، أما إن كانت المشاهدة بغرض التشجع على الاشتراك في هذه المسابقة ، فما أدى إلى الحرام فهو حرام.

وكثير من فقهاء العصر يقولون بإباحة مشاهدة المسابقات الرياضية ، مع كون كثير منهم يرى حرمتها ، لقيامها على القمار، و مع هذا ،فرقوا بين حرمة قمار المسابقات الرياضية ، وبين مشاهدتها ، ولعل هذا أقرب مثال لمسابقة المليون.

وإن كان يستشف من كلام بعض العلماء الحرمة ، لأنهم يشترطون في رؤية المسابقات أن يكون شيئا مباحا ، والمسألة كيفت على أنها أمر من الأمور الخلافية ، وعلى كل مسلم أن يختار لنفسه ما يحب أن يلقى الله تعالى به، وما تطمئن إليه نفسه.

على أن من أراد المشاهدة ، فليحذر أن يشجع أو يسوق هذه المسابقة ، لأنه يكون تشجيعا على الحرام ، فيقع في ما ينهى عنه شرعا. وتبقى النية أساسا للحكم على المسألة.

يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الأزهر في مشاهدة المسابقات:
تضافرت الأدلة على جواز النظر إلى المتسابقين، وما هم فيه من سباق، وتشجيعهم وحثهم على السبق فيه، إذا كان ما يتسابقون فيه مباحًا شرعًا، ومن هذه الأدلة ما يلي:

رَوَى عروة عن عائشة ـ رضي الله عنهاـ قالت: كَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: حَسْبُكِ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي.

“السودان: لقب للأحباش، والدَّرَق: نَوْع من التروس تُتَلقَّى به الضرَبات يُتَّخَذ من الجلود، ودونكم يا بني أرفدة: من ألفاظ الإغراء، معناه: عليكم بهذا اللعِب الذي أنتم فيه.

فقد أفاد الحديث أن هؤلاء الأحباش كانوا يلعبون بالحروب والتروس في المسجد، كما يُشاهَد من بعض مواطني البلاد الإفريقية الآن، احتفاءً بأيامهم القومية من وَثْبهم وقذفهم بحرابهم وتروسهم، ثم تُلقِيها بعد، وهو نَوْع من السابق بين من يجيد ذلك منهم، وقد شاهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك منهم، ومكَّن زوجته عائشة من مشاهدة لَعِبِهم وسباقهم هذا، بعد أن جعلها من خلفه ليستُرها عنهم، وقد شاهد معه ذلك بعض الصحابة، ومنهم عمر ـ رضي الله عنه ـ كما تُفِيد بعض روايات الحديث السابق ـ الذي أراد أن يَزجُرهم عن ذلك، بحصبهم بالحجارة، إلا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منعه منه قائلًا له: “دعهم يا عمر؛ لتعلم اليهود أن في ديننا فُسْحة، وأني بُعثتُ بحنيفية سمحة.
ولم يقتصر على مُشاهَدة لعبِهم وسباقهم، بل شجَّعهم بقوله: “دونَكم يا بني أرفِدَة” أي عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه، كما منع عنهم إيذاءَ عمر لهم.

روي عن سلمة بن الأكوع قال: “مرَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على نفر من أسلم ينتضلون بالسهام، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بني فلان “لأحد الفريقين” فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال، صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون ؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم، فقال: ارموا وأنا معكم كلكم.

أفاد الحديث أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ شاهد هؤلاء النفر من قبيلة أسلم وهم يتسابقون في الرمي بالسهام إلى هدف معين، وشجَّعهم على حُسْن البلاء فيه، بتذكيرهم أن أباهم كان ممن يُجيد الرمي بالسهام، وذلك ليُوقِظ فيهم دافع الإجادة في ذلك كما كان سلفهم يفعل.

فهذا الحديث وسابقه وغيرهما يدُلان على جواز مشاهَدة السباق في المُباحات، وتشجيع المتسابقين على حسن البلاء، وإحراز السبق فيه.
إلا أنه يشترط في حق الرجال والنساء عند مشاهدة السباقات المباحة شرعًا، ألا يترتب عليه ترك عبادة أو واجب شرعي، أو النظر إلى ما يُعَدُّ عورة من المنظور إليه، لحرمة النظر إليها في هذه الحالة، فإن ترتَّب على المشاهدة أو التشجيع مُحرَّم حُرِّمَا من الرجل والمرأة على السواء.أ.هـ

ويقول الدكتور عيسى زكي عيسى من علماء الكويت في مشاهدة الألعاب الأولمبية:
لا بأس من متابعة هذه الألعاب بشرط التزام عدم النظر إلى العورات المكشوفة، وبالتالي لا بد أن يختار المشاهد ألعابا معينة يتجنب فيها هذا المحظور، وهو مشروط بعدم الانشغال بها عن واجب ديني كالصلاة بأن يخرج وقتها أو عن واجب دنيوي كالسعي لطلب الرزق، والقيام بمصالح من يعولهم.أ.هـ

ويقول الدكتور جمال الدين عطية رئيس مجلس تحرير المسلم المعاصر ومن علماء مصر:
لا بأس بمشاهدة مباريات كرة القدم أو غيرها من الألعاب الرياضية، بشرط ألا نضيّع فيها أوقاتنا؛ حيث إن المشاهدة لا تعود علينا بالفائدة، وإنما الفائدة يجنيها الشخص الذي يمارس الرياضة.

أما موضوع المسابقات فإن قُصد بها المراهنات على مَن سيكسب في المباريات فهذا من أنواع القمار المنهي عنه شرعاً، أما إذا كان المقصود بالمسابقات هو المباريات نفسها فلا بأس بها كما قلنا.