المولد والنسب:
ولد الصديق أبو بكر – رضي الله عنه – في مكة بعد ميلاد النبي بسنتين ونصف، وكان رجلاً شريفًا عالمًا بأنساب قريش، وكان تاجرًا يتعامل مع الناس بالحسنى.
كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة بن عثمان بن عامر فسماه الرسول عبد الله ، فهو عبد الله بن أبي قحافة، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر.
صديق الرسول :
كان أبو بكر صديقًا حميمًا لرسول الله ، وبمجرد أن دعاه الرسول للإسلام أسرع بالدخول فيه، واعتنقه؛ لأنه يعلم مدى صدق النبي وأمانته، يقول النبي : “ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما عكم (ما تردد) عنه حين ذكرته ولا تردد فيه” (ابن هشام).
وجاهد أبو بكر مع النبي فاستحق بذلك ثناء الرسول عليه إذ يقول: “لو كنت متخذًا خليلاً؛ لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي” (البخاري).

وكانت الدعوة إلى الإسلام في بدايتها سرية، فذهب أبو بكر عند الكعبة، وقام في الناس خطيبًا ليدعو المشركين أن يستمعوا إلى رسول الله ، فكان أول خطيب يدعو إلى الله، وما إن قام ليتكلم، حتى هجم عليه المشركون وأوجعوه ضربًا، حتى كادوا أن يقتلوه، ولما أفاق – رضي الله عنه – أخذ يسأل عن رسول الله كي يطمئن عليه، فأخبروه أن رسول الله بخير والحمد لله، ففرح فرحًا شديدًا.

وكان أبو بكر يدافع عن رسول الله بما يستطيع، فذات يوم، وبينما كان أبو بكر يجلس في بيته، إذ أسرع إليه رجل يقول له: أدرك صاحبك. فأسرع رضي الله عنه؛ ليدرك رسول الله فوجده يصلي في الكعبة، وقد أقبل عليه عقبة بن أبي معيط، ولف حول عنقه ثوبًا، وظل يخنقه، فأسرع – رضي الله عنه – ودفع عقبة عن رسول الله وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟! فالتف المشركون حوله وظلوا يضربونه حتى فقد وعيه، وبعد أن عاد إليه وعيه كانت أول جملة يقولها: ما فعل رسول الله ؟
جوار الله:
ظل أبو بكر – رضي الله عنه – يجاهد مع النبي ويتحمل الإيذاء في سبيل نشر الإسلام، حتى أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فخرج أبو بكر – رضي الله عنه – مهاجرًا إلى أرض الحبشة، فلقيه ابن الدغنة وأرجعه، وجعله في حمايته، ثم إن أبا بكر بنى في بيته مسجدًا وأعلن الصلاة وقراءة القرآن، ورفض الإسرار بذلك، فطلب ابن الدغنة من أبي بكر أن يرد جواره، فرد إليه جواره، ورضي بجوار الله عز وجل.
منفق المال:
ظل أبو بكر مؤيدًا للدين بماله وبكل ما يملك، فأنفق معظم ماله حتى قيل: إنه كان يملك أربعين ألف درهم أنفقها كلها في سبيل الله، وكان – رضي الله عنه – يشتري العبيد المستضعفين من المسلمين ويحررهم.
وفي غزوة تبوك، حث النبي على الصدقة والإنفاق، فحمل أبو بكر ماله كله وأعطاه للنبي ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم له: “هل أبقيت لأهلك شيئًا؟” فقال: أبقيت لهم الله ورسوله” (الترمذي).
حكاية الصديق:
لما وقعت حادثة الإسراء والمعراج، وأصبح النبي يحدث الناس بأنه قد أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء السابعة، قال المشركون: كيف هذا، ونحن نسير شهرًا حتى نصل إلى بيت المقدس ؟! وأسرعوا إلى أبي بكر وقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس ! فقال أبو بكر: إن كان قال ذلك فقد صدق، إني أصدقه في خبر السماء يأتيه. فسماه الرسول منذ تلك اللحظة (الصديق). (ابن هشام).
جهاد الصديق:
وشهد أبو بكر مع رسول الله رحلة الهجرة، كما شهد معه جميع الغزوات، ولم يتخلف عن واحدة منها، وعرف الرسول فضله، فبشره بالجنة، وقال: “ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة” (الترمذي).
وكان دائم الخوف من الله ، يقول: لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما آمنت مكر ربي (عذابه).
خليفة الرسول :
لما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، اجتمع الناس حول منزله بالمدينة لا يصدقون أن رسول الله قد مات، ووقف عمر يهدد من يقول بذلك ويتوعد، وهو لا يصدق أن رسول الله قد مات، فقام أبو بكر، ودخل على رسول الله ،ووجده قد مات، وكشف الغطاء عن وجهه الشريف، وهو يقول: طبت حيًا وميتًا يا رسول الله، وخرج – رضي الله عنه – إلى الناس المجتمعين، وقال لهم: أيها الناس، من كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، فإن الله تعالى قال: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم” (آل عمران: 144).
وبايعه الصحابة خليفة بعد الرسول .
وبعد أن تولى أبو بكر الخلافة، وقف خطيبًا في الناس، فقال: أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أريح (أزيل) علته إن شاء الله، ولا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة؛ إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله؛ فلا طاعة لي عليكم.
أعمال الخلافة:
قاتل أبو بكر – رضي الله عنه – المرتدين وما نعى الزكاة، وكان يوصي الجيوش ألا يقتلوا الشيخ الكبير، ولا الطفل الصغير ولا النساء ولا العابد في صومعته، وألا يحرقوا زرعًا ولا يقلعوا شجرًا.
وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بن زيد؛ ليقاتل الروم، وكان الرسول قد اختار أسامة قائدًا على الجيش رغم صغر سنه، وأرسل – رضي الله عنه – الجيوش لفتح بلاد الشام والعراق حتى يدخل الناس في دين الله.
ومن أبرز أعماله – رضي الله عنه – أنه أمر بجمع القرآن الكريم وكتابته بعد استشهاد كثير من حفظته.
وفاة الصديق:
توفى أبو بكر ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وعمره (63) سنة. وغسلته زوجته أسماء بنت عميس حسب وصيته، ودفن إلى جوار الرسول وله من الأولاد عبد الله ، وعبد الرحمن ، ومحمد ، وعائشة ، وأسماء ، وأم كلثوم ، رضي الله عنهم .
وروي عن رسول الله أكثر من مائة حديث.