الذنوب نوعان منها ما هو حق لله تعالى، ومنها ما هو حق للعباد، فالذنوب التي تتعلق بحقوق العباد لا يبرأ منها العبد إلا برد المظالم لأهلها، أما حقوق الله تعالى، فإنها تغفر بالتوبة وإن كان فيها معاوضة كالصلاة والصيام فيجب قضاء هذه الديون، والحج لا يغفر ذنبا لم يتب العبد إلى الله تعالى منه، وليس من الأدب في التعامل مع الله أن يبارز العبد ربه بالمعصية، ثم يوقن بالغفران؛ لأنه سوف يحج، فكيف إذا قبضه الله وهو على معصيته، أو لم يدخل في المشيئة (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر -رحمه الله-:
قال اللّه تعالى {‏ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }‏ النساء:‏ ‏48، وقال صلى الله عليه وسلم ” من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ” رواه البخارى ومسلم .‏ وقال “والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ” رواه البخارى ومسلم .‏

ويقول العلماء :‏ إن الذنوب منها كبائر ومنها صغائر، كما قال تعالى {‏ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم }‏ النساء :‏ ‏31 ، وقال تعالى {‏ الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم }‏ النجم :‏ ‏32 ، والصغائر مكفراتها كثيرة ، فإلى جانب التوبة والاستغفار يكفرها اللّه بأى عمل صالح ، قال تعالى {‏ إن الحسنات يذهبن السيئات }‏ هود :‏ ‏114 ، وقد نزلت فى رجل ارتكب معصية وقال له النبى صلى الله عليه وسلم ” أشهدت معنا الصلاة”؟ قال :‏ نعم ، فقال له “اذهب فإنها كفارة لما فعلت ” وقال صلى الله عليه وسلم ” الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر” رواه مسلم ، وقال “وأتبع السيئة الحسنة تمحها” رواه الترمذى بسند حسن .‏

أما الكبائر فتكفرها التوبة النصوح كما قال تعالى {‏ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم }‏ التحريم :‏ ‏8، وكما قال بعد ذكر صفات عباد الرحمن وأن من يفعل الكبائر يضاعف له العذاب {‏ إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل اللَّه سيئاتهم حسنات وكان اللَّه غفورًا رحيمًا}‏ الفرقان :‏ ‏70، .‏
أما الأعمال الصالحة غير التوبة فلا تكفر الكبائر، لأن هذه الأعمال الصالحة لا تؤثر فى تكفير الذنوب الصغيرة إلا إذا اجتنيت الكبائر كما تقدم فى حديث مسلم .‏
وعلى هذا قالوا :‏ إن النصوص العامة التى فيها تكفير الأعمال الصالحة لكل الذنوب -‏ كحديث الحج المتقدم -‏ مخصوصة بالذنوب الصغيرة ، أما الكبيرة فلا يكفرها إلا التوبة .‏

وليكن معلومًا أن التوبة لا تكفر الذنوب التى فيها حقوق العباد لأن من شروطها أو أركانها أن تبرأ الذمة منها ، إما بردها لأصحابها وإما بتنازلهم عنها .
وبالتالى فالحج أو غيره من الطاعات لا يكفر الذنب الذى فيه حق للعباد حتى تبرأ الذمة منه ويؤيد ذلك أن الشهادة في سبيل اللَّه ، وهى فى قمة الأعمال الصالحة ، لا تكفِّر حقوق العباد، كما ورد فى حديث مسلم ” يغفر اللَّه للشهيد كل شىء إلا الديْن ” .‏

أما الذنوب التى هى حق للَّه فهى قسمان ، قسم فيه بدل وعوض ، وقسم ليس فيه ذلك ، فالأول كمن أذنب بترك الصلاة أو الصيام فلا يكفر إلا بقضاء ما فاته من صلاة وصيام كما وردت بذلك النصوص الصحيحة ، والثانى كمن أذنب بشرب الخمر مثلاً، فإن مجرد تركه والتوبة منه يكفره اللّه تعالى ، والتوبة تكون بإقامة الحد عليه إن كانت الحدود تقام ، وإلا فهى الإِقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم العود .‏

وقد وردت نصوص تدل على أن التبعات والمظالم يكفرها اللَّه بالحج ، لكن هذه النصوص غير قوية فلا تعارض ما هو أقوى منها ، فالتوبة لا تكفر التبعات والمظالم إلا ببراءة الذمة، وكذلك الحج لا يكفرها إلا بذلك .‏
وكل ما تقدم محله إذا لم تتدخل مشيئة اللّه ، فإن تدخلت غفر اللّه كل شىء من الذنوب يقع من العبد ما عدا الإِشراك باللّه كَما قال سبحانه {‏ إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }‏ النساء :‏ ‏116 ، .‏

وعلى هذا ، فالرجل الذى يفعل المعاصى اعتمادًا على أن الحج يكفرها -‏ لا يجوز له أن يرتكن على الحديث المذكور ، ولا أن يرتكن على مشيئة اللّه الذى يغفر الذنوب جميعًا ، فربما لا يكون هو ممن يشاء اللّه المغفرة لهم ” .‏