عقيدة البعث والحساب في الإسلام يُمكن ذكرها بشيء من الإيجاز:

1 – إن البعثَ في عقيدة الإسلام هو جِسمانيّ ورُوحاني معًا، ولم يَقُل أحدٌ فيما أعلم أنَّه جِسماني فقط لا روحاني، وإنما وُجد من قال من أهل الفِرَق المبتدِعة: إنّه رُوحاني فقط.
والدليلُ النَّصيّ الذي لا يترك مجالًا للجدل في نفي القول بروحانية البعث فقط قوله ـ تعالى ـ في سورة يس: (أو لم يَر الإنسانُ أنّا خلقناه من نطفةٍ فإذا هو خَصيمٌ مُبِينٌ. وضَرَبَ لنا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَه قَالَ مَنْ يُحْيي العِظام وهِيَ رَمِيمٌ. قُل يُحْيِيها الذي أنشأها أولَ مرةً وهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم).

فإذا كان رُوحانِيًّا فَقَطْ فَما معنى المناقشة في إحياء العِظام؟! إلى غير ذلك من الأدِلّة الكَثِيرةِ فِي القُرآن والسُّنّة.

2 – وهنا نجِدُ مِنَ المُفِيد الإشارةَ إلى أن عقيدةَ البعث والحِساب والعقاب ـ هي عمودُ خيمةِ الإيمان وثمراتِه في مراقبة النَّفس، وتوجيهها إلى صالح الأعمال، واجتناب المفاسد ولو دَعا إليها الهَوَى. ولولا هذه العقيدة، عقيدة البعث، التي تجعل المؤمنَ يَثِقُ بما عند الله ـ تعالى ـ للمُتَّقِين ثقة يَستهينُ الإيمانُ معها بكلِّ مَصاعب الحَياة وكَوارثِها في سَبيل القيام بالواجب؛ لِمَا كَانَ فِي الإيمانِ تِلك القُوَّةُ الدّافِعة إِلَى العَمَل الصّالِح، والمُصابَرة فِي سَبِيلِه.
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) (سورة المؤمنون: 115).
ومِنْ ثَمَّ يُعْرَف مَبْلَغُ المَكْرِ الهَدّام، أَو الغَفْلةُ الفادِحة فِي الفِكْرةِ التي يقول فيها بعض الشّاكِّين أو المُشكِّكينَ: إنَّ الإيمانَ يتحقق في العقيدة بالله ـ سبحانه وتعالى ـ لأنَّ كُلّ ذِي عَقْل يَشْعُر بِقُوّةِ عُظْمَى تُسَيِّرُ هذا الكونَ المُنَظَّمَ، أمَّا عَقيدة اليوم الآخِر فَلَيْسَتْ ضَروريّة لِصَيرورةِ الإنسان مُؤمنًا. ولا يَخْفَي مَا فِي هذه الفِكْرة الهَدّامة مِن خَطَرٍ يَجْعَل الإيمانَ بالله كعدمه سواءٌ بِسواءٍ، فإذا كانَ هذا يَكْفِي لِيَخْرُجَ الإنْسانُ من حَظيرة الكُفْر أو الإلحاد، ويعتبر في المؤمنين فَما الفَرْقُ عِنْدَئِذٍ بَيْنَه وبَيْن مَنْ لا يَعْتَقِد بِوجُود الله ـ تَعالى ـ ما دَام ذاك الاعْتِقادُ لا ثَمَرة له فِي يَوْم آخر؟ وإذا ارْتكبَ الجاحِدُ، أو المُعْتقدُ بوجود الله ـ تعالى ـ دون البعثِ، ما يشاءُ من مُوبقاتٍ ومَفاسِدَ وجَرَائِمَ في هذه الدُّنيا، فما هي النتيجةُ ما دام مَصِيرُهما هُو والمؤمنُ بالآخرة والثَّوابِ والعِقابِ واحِدًا إِلَى غَيْر مَسْؤولِيّة سِوَى مَا فِي هذه الدُّنْيا؟
فهذه العَقِيدة النَّاقِصة هِي كالجُحود لِوجودِ الله ـ تعالى ـ من حيث النَّتِيجةُ، فالإيمانُ باليومِ الآخِرِ قُوَّةٌ دافِعةٌ إلى الخَيْر، ومُحاسبةِ النَّفْس مُحاسبةً تُغْني عن إقامةِ رَقيب من جانب الحاكِم فَوْق رأسِ كُلّ إِنْسانِ، ولَنْ يُمْكِنَ ذلك، ولكنَّه يُمْكِنُ عَنْ طَرِيق الإيمانِ وعَقِيدة اليَوْمِ الآخِر.

3 – أمّا الرُّوح الإنْسانِيّ فهو فِي عَقيدة الإسلام شَيْء غَيْر الجَسَدِ ذُو وُجودٍ وخُلودٍ، ولَيْسَتْ حَياةُ الإنْسانِ مُجَرَّدَ تَفَاعُلاتٍ كِيمياويَّة بَيْن أَجْزاءِ بَدَنِه بِشَرائِطَ مُعيَّنةٍ كما يَرَى المادِيّون المُلحدون.وأدلّتُه الشَّرْعِيَّة كَثِيرةٌ فِي القُرْآنِ والسُّنّة، ولَكِنَّّ حَقيقةَ الرُّوحِ وماهيتَه مجهولةٌ ؛ لأنّها مِمّا استأثر الله ـ تعالى ـ بعِلْمِه كما يقول تعالى: (ويَسْألونَكَ عَنِ الرُّوح قُلِ الرُّوح مِنْ أَمْرِ رَبِّي ومَا أًُوتِيتُمْ مِنَ العِلْم إِلَّا قَلِيلاً) (سورة الإسراء: 85).