نظام التأمين جائز ليس فيه ما ينافي الشريعة الإسلامية، ونظام التعاقد فيها بمبادئه العامة في كلٍّ من أنواع التأمين الثلاثة:
التأْمين على الأشياء وضد المسئولية، والتأمين لما بعد الموت (الذي يُسمُّونه خَطأ التأْمين على الحياة) سواء أتم ذلك بطريق التأمين التبادلي، وهو الصورة البدائية البسيطة التي هي طريقة تعاونية مَحْضة بين فئة محدودة العدد، يجمعها نوع واحد من العمل والخطر، أو كان ذلك بطريق التأمين لقاء قسْط، وهو الصورة المتطوِّرة التي يجري فيها التأمين بين جهة مسترْبحة ـ شركة أو مؤسسة حكومية مثلاً، تُدير عمليات التأمين على نطاق واسع لجميع الناس الراغبين ـ وبين أولئك الراغبين عن طريق التَّعاقد بعقد خاص أحد طرفيه الجهة المؤمَّن لديها، وطرفه الآخر طالب التأمين أو المستأمن، وذلك عندما يكثر المستأمنون من أصناف شتى، وضد أخطار شتى، بحيث تحتاج عمليات التأمين في تسجيلاتها وحساباتها وتصفيات الحقوق المتتابعة فيها إلى إدارة كبيرة ذات نفَقات، وجهاز عامل يجب أن يعيش من أرباحها.

هذا رأينا في نظام التأمين من حيث إنه نظام تعاوني يقوم على طريقة تكفُل تفتيت آثار المَخاطر؛ التي منْها ما هو ماحق لمن ينزل على رأسه، وتوزيعها على أكبر عدد ممكن، فلا يصيب من نزلت في رأسه المصيبة إلا جزء يسير هو القسْط الذي دَفَعَه.

أما العُقود الخاصة التي تُعقد بين شركات التأمين وبين المستأمِنين، وما تتضمَّنه من شروط، فإنها تخضع للمقاييس الشرعية في صحة الشروط التعاقدية وبطلانها بحسب كونها تَتَنافى مع النظام العام الإسلامي في التعاقد أو لا تنافيه، وذلك نظير البيع مثلاً في نظام المعاوضة، فقد نص القرآن الكريم على حِلِّ البيع كنظام تبادل عقْدي؛ أما عقود المبايعات الخاصة التي تجري بين طرفين وما يشترطان فيها من شروط، فإنها ـ رغم حِل البيع في ذاته ـ قد يكون بعضها باطلاً وبعضها صحيحًا بحسب مضمونه والشروط التي شرطها فيه عاقداه، وكون بعض عقود البيع يقع باطلاً لتضمنه ما لا يسوَّغ شرعًا، لا يستلزم أن نقول بحرمة عقد البيع في ذاته بوجه عام كطريق لتبادل الأموال.

ونضيف الآن أن طريقة التأمين التبادلي هي محل اتفاق لم يخالف فيها أحد؛ لأنها تعاون محض على توزيع الخسائر الناجمة عن بعض المخاطر وحوادثها لا استرباح فيه. وقد علمت أن في العالم الأجنبي ـ وخاصة في أمريكا الاتحادية ـ يوجد اليوم منظمات للتأمين التبادلي يشترك فيها المستأمنون من بعض الأخطار، ويتوزعون الخسائر الناجمة من الحوادث، ويترادُّون ما يزيد من أقساطهم بعد طرح النفقات دونما استرباح، وإن هذه المنظمات أو المؤسسات كثيرة إلى جانب شركات التأمين.

فنرى أن من الجدير المستحْسن في خطوة ميمونة نحو التشريع الإسلامي أن يقتبس هذا الأسلوب، ويستورد نظامه المستقر، ويشجع عليه ليحل محل شركات التأمين الشائعة التي تقوم على أساس الاسترباح من هذا الطريق التعاوني، وتشوِّهه بعض مسالكها وشروطها؛ فإن التأمين التبادلي قد أجمع على جوازه وتفضيله جميع فقهاء العصر الباحثين في التأمين؛ الذي أصبح اليوم عصب النشاط الاقتصادي في جميع مجالاته.

هامش
(1) ومما يجدُر التنبيهُ إليه أن المجمع الفقهي بمكة المكرمة في دورته المعقودة بتاريخ 10/8/1398هـ نظر في حكم التأمين شرعًا، واستعرض الآراء المختلفة لعلماء العصر فيه، وانتهى إلى التمييز بين التأمين التبادلي الخالي من العِوَض، وأسماه (تأمينًا تعاونيًا)، وبيْن التأمين الذي تمارسه شركات التأمين القائمة في البلاد ابتغاء الربح وأسماه: (تأمينًا تجاريًا)، فقرر المجمع بأكثرية أعضائه جواز النوع الأول التعاوني، وتحريم الثاني التجاري، وكان الأستاذ الزرقا هو المُخالف في هذا التحريم، وسجل مخالفته مكتوبة معلَّلة ونشرها مع قرار المجمع في حينها. ثم نشرها في كتابه “نظام التأمين” ص 151 ـ 152 و 169 ـ 173. كما أن المَجْمع الفقهي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة بتاريخ 10/4/1406هـ قد قرَّر أن عقد التأمين التِّجاري ذي القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقْد فيه غرَر كبير مُفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعًا. وأن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي وهو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرُّع بالتعاون. “قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي” ص 20 (مجد).