يقول فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق ـ رحمه الله :

إن سبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها هو عقد الزواج الصحيح بشروط .
منها احتباسها لحقه وتفريغها نفسها له، وقال الإمام السرخسي من الأحناف (‏اعلم أن نفقة الغير تجب بأسباب منها الزوجية)‏ ثم استطرد إلى أن قال في تعليل هذا (‏لأنها محبوسة لحق الزوج ومفرغة نفسها له، فتستوجب الكفاية عليه في ماله، كالعامل على الصدقات لما فرغ نفسه لعلم المساكين استوجب كفايته في مالهم، والقاضي لما فرغ نفسه لعمله للمسلمين استوجب الكفاية في مالهم، وإذا تغيبت المرأة عن زوجها أو أبت أن تتحول معه إلى منزله أو إلى حيث يريد من البلدان وقد أوفاها مهرها فلا نفقة لها، لأنها ناشزة ولا نفقة للناشزة، فإن الله تعالى أمر في حق الناشزة بمنع حظها في الصحبة بقوله تعالى(وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ )‏ النساء ‏34 ، فذلك دليل على أن تمنع كفايتها في النفقة بطريق الأولى -‏ لأن الحظ في الصحبة لهما وفى النفقة لها خاصة، ولأنها إنما تستوجب النفقة بتسليمها نفسها إلى الزوج وتفريغها نفسها لمصالحه، فإذا امتنعت من ذلك صارت ظالمة .‏

وقد فوتت ما كان يجب لها باعتباره فلا نفقة لها،‏ وقال ابن نجيم الحنفي:وإذا سلمت نفسها بالنهار دون الليل أو على عكسه لا تستحق النفقة لأن التسليم ناقص، وقالوا له أن يمنع امرأته من الغزل، بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب، لأنها مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه.

ولقد تابع علماء الشريعة المحدثون هذه النصوص السابقة .‏
ففي كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية لقدري باشا في المادة ‏169 .‏
أن الزوجة المحترفة التي تكون خارج البيت نهارا وعند الزوج ليلا إذا منعها من الخروج فعصته فلا نفقة لها مادامت خارجة.
وقد ذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية :أنه إذا كانت الزوجة من المحترفات اللائى لا يقررن في البيت فلا نفقة لها إذا طلب منها القرار فلم تجب طلبه وذلك لأن الاحتباس في هذه الحالة ناقص فله طلبه كاملا .‏
فإذا امتنعت فهي ناشزة .‏

ولم يفرق العلماء في هذا بين حرفة وأخرى، وإنما كان الحكم شاملا لسائر الأعمال التي تخرج بسببها المرأة من منزل الزوجية وتفوت بهذا الخروج حق زوجها وتصبح ناشزة .

ومن كل ما تقدم من النصوص، يظهر جليا أن نفقة الزوجة على زوجها مقابل قرارها في منزل الزوجية وتفرغها لصالح الزوج، وأنها إذا اشتغلت بعمل خارج منزل الزوجية دون إذنه ورضاه ولو كان ذلك من الأعمال الضرورية للمجتمع كعمل القابلة والطبيبة كانت مفوتة حقه فيفوت حقها وتسقط نفقتها، لأن الحقوق المترتبة على العقد متقابلة .‏