المضمضة فهي كما عرفها العلامة الشوكانى فى نيل الأوطار (‏هى أن يجعل الماء فى فمه ثم يديره ثم (‏يمجه)‏ وقال النووى وأقلها أن يجعل الماء فى فمه، ولا يشترط إدارته على المشهور عند الجمهور وعرفها العلامة الشرنبلالى من الحنفية بأنها استيعاب الماء جميع الفم .‏
وقد اختلف الفقهاء فى حكمها فى الوضوء والغسل فذهب أحمد وإسحاق وأبو عبيدة وأبو ثور وأبو بكر بن المنذر إلى وجوبها فيهما وبه قال ابن أبى ليلى وحماد بن سليمان لحديث أبى هريرة رضى اللّه عنه (‏أمر رسول اللّه بالمضمضة والاستنشاق)‏ وذهب مالك والشافعى والأوزاعى فقيه الشام والليث بن سعد فقيه مصر والحسن البصرى والزهرى وربيعة وقتادة ويحيى بن سعيد وابن جرير إلى عدم وجوبها فيهما .‏
وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثورى وزيد بن على إلى أنها فرض فى غسل الجنابة، وسنة فى الوضوء .‏
ورجح العلامة الشوكانى القول بالوجوب فيهما .‏
فعلى القول بعدم وجوبها يصح الوضوء أو الغسل بدونها وهو ظاهر .‏
وعلى القول بوجوبها لا يصح ما وجبت فيه من وضوء أو غسل إلا بها .‏
ويلزم أن يصل الماء إلى الأسنان والأضراس فى الفم حتى يتحقق استيعاب الماء جميع الفم .‏
فإن كانت الأسنان والأضراس بحالتها الطبيعية فالأمر ظاهر .‏
وإن كان فيها تجويف يبقى فيه شىء من الطعام فالاحتياط أن يخرجه ويجرى عليها الماء .‏
وهذا ظاهر فى المواد الغريبة التى تبقى فى تجاويف الأسنان ويمكن إخراجها بالمضمضة أو معها.
أما حشو الأسنان والأضراس بما يسد فجواتها فى الصناعة أو تغطيتها بمعدن كالذهب أو الفضة أو البلاتين أو نحوها أو شد بعضها إلى بعض بالأسلاك المعدنية بحيث أصبح الحشو والغطاء كأنه جزء من الأصل متصل به اتصالاً ثابتًا مستقرًا وكذلك السلك المشدود به .‏
فالظاهر من القواعد العامة أنه لا يجب فى الوضوء والغسل إزالتها بل يجرى عليها الماء بحالتها الراهنة ولا يجب غسل ما تحت الحشو والغطاء أو الأسلاك لما فى ذلك من بالغ الحرج والمشقة وهما مندفعان فى التشريع قال تعالى {‏ يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }‏ البقرة ‏185 ، وقال تعالى {‏ وما جعل عليكم فى الدين من حرج }‏ الحج ‏78 ، وأى حرج أشد من إلزام المتوضىء والمغتسل إزالة ذلك وهو لم يلجأ إليه إلا للضرورة الصحية ودفعا لألم شديد .‏

أما استعمال الذهب والفضة والبلاتين ونحو ذلك فى حشو الأسنان والأضراس أو غطائها فجائز للضرورة، فقد ثبت أن عرفجة بن سعد الكنانى أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفًا من فضة فأنتن فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن يتخذ أنفًا من ذهب .‏
وأن كثيرًا من الأئمة قد شد أسنانه بالذهب مثل موسى بن طلحة وأبى رافع وثابت التبانى وإسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبد اللّه ورخص فيه الحسن البصرى والزهرى والنخعى وأئمة الحنفية، فقد أبيح من الذهب والفضة ما دعت الضرورة إليه ؛ بل روى العلامة ابن قدامة عن أصحاب الإمام أحمد إباحة يسير الذهب ويقاس الذهب على الفضة، وأنه يباح من الفضة للرجل الخاتم وحلية السيف والمنطقة ومثلها الخوذة والحمائل وما أشبهها للحاجة .‏

وفى البخارى أن قدح النبى صلى اللّه عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب منه سلسلة من فضة، وإنه أباح من الذهب للرجل ما دعت إليه الضرورة كالأنف فى حق من قطع أنفه وربط الأسنان التى يخشى سقوطها ورخص الإمام أحمد فى حلية السيف انتهى بتصرف.
فالحشو والغطاء والسلك من الذهب أو الفضة جائز سواء أخذنا بما روى عن الإمام أحمد من إجازة اليسير منهما أو على مذهب الإمام محمد من الحنفية -‏ أو أخذنا بجهة الضرورة المبيحة لاستعمالهما والبلاتين ونحوه من المعادن غير الذهب والفضة لم يرد فيها ما يمنع جواز استعمالها .‏