إذا قلنا: إن الزكاة مطهرة للمال وسبب لنمائه ولبركته، فإنما نعنى بذلك المال الحلال، الذي وصل إلى يد حائزه من طريق مشروع.

أما المال الخبيث الذي جاء عن طريق النهب أو الاختلاس أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو الربا أو القمار، أو أي نوع من أنواع أكل أموال الناس بالباطل، فإن الزكاة لا تؤثر فيه ولا تطهره ولا تباركه، وما أبلغ ما قاله بعض الحكماء: مثل الذي يطهر المال الحرام بالصدقة كمثل الذي يغسل القاذورات بالبول!
وربما يظن كثير من اللصوص الصغار أو الكبار، المعروفين باسم اللصوصية أو المختفين تحت أسماء مزورة كاذبة -أن بحسبهم أن يتصدقوا ببعض ما كسبوا من سحت، وما جمعوا من مال حرم، فإذا هم عند الله مقبولون، وإذا هم عند الناس برآء أطهار!!
وهو وهم كاذب يرفضه الإسلام رفضًا حاسمًا، ويقول نبي الإسلام في ذلك: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا) (رواه مسلم والترمذي (الترغيب والترهيب: 3/11)، وفي صحيح البخاري نحوه – باب: الصدقة من كسب طيب – كتاب الزكاة)، (من جمع مالاً من حرام ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه) (رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال: صحيح الإسناد (الترغيب والترهيب: 1/266)، (لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور) (رواه أبو داود بإسناد صحيح واللفظ له، ومسلم في صحيحه (فتح الباري: 3/178)، والغلول: الخيانة في الغنيمة.
لا يقبل الله صدقة من مثل هذا المال الملوث، كما لا يقبل الصلاة بغير طهارة.
ويقول: (والذي نفسي بيده لا يكسب عبد مالاً حرامًا، فيتصدق به فيقبل منه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن. إن الخبيث لا يمحو الخبيث) (رواه أحمد وغيره من طريق حسنها بعض علماء الحديث (الترغيب والترهيب: 3/14)..
قال القرطبي: وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام؛ لأنه غير مملوك للمتصدق وهو ممنوع من التصرف فيه، والمتصدق به متصرف فيه، فلو قبل منه لزم أن يكون الشيء مأمورًا منهيًا من وجه واحد، وهو محال (فتح الباري: 3/180).
بل قال بعض علماء الحنفية: لو دفع رجل إلى فقير شيئًا من المال الحرام، يرجو به الثواب، يكفر بذلك، ولو علم بذلك الفقير فدعا له يكفر أيضًا، ولو سمعه آخر فأمن على دعائه -مع علمه بالحال- يكفر كذلك، ومثله لو بنى مسجدًا من الحرام يرجو به القربة؛ لأنه يطلب الثواب فيما فيه العقاب، ولا يكون ذلك إلا باستحلال الحرام وهو كفر، وهذا كله في الحرام المقطوع بحرمته، لا المشتبه فيه (انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار: 2/27).
فلا يحسبن واهم أن الزكاة كفارة للغصب عن إثم غصبه، وللمرتشي عن جريمة رشوته، وللمرابي عن نجاسة رباه. هيهات هيهات لما زعموا؛ فإن المال الحرام لا تقبل منه زكاة، بل لا تجب فيه زكاة. إن الزكاة لا تجب إلا في مال يملكه صاحبه، والإسلام لا يقر الملكية الحرام وإن طال عليه الأمد. إنه لا يقول للغاصبين والمرتشين واللصوص الصغار أو الكبار: تصدقوا، ولكن يقول لهم قبل كل شيء: ردوا الأموال التي في أيديكم إلى أصحابها!