ألف الإِمام السيوطى رسالة فى هذا الموضوع بعنوان ” بذل العسجد لسؤال المسجد” ولخص الحكم فى قوله :‏ السؤال فى المسجد مكروه كراهة تنزيه ، وإعطاء السائل قُربة يثاب عليها ، وليس بمكروه فضلا عن أن يكون حرامًا .‏
هذا هو المنقول والذى دلت عليه الأحاديث ، وأورد حديثًا رواه أبو داود بإسنادٍ جيد عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال :‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا”؟ فقال أبو بكر:‏ دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة فى يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه .‏ ففيه دليل على أن السؤال فى المسجد ليس بحرام ، وأن الصدقة عليه ليست مكروهة، حيث اطلع النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك بإخبار أبى بكر ولم ينكره ، ولو كان حراما لم يقر عليه ، بل كان يمنع السائل من العود إلى السؤال بالمسجد، ولو ثبت أن هناك نهيًا عن السؤال بالمسجد لكان محمولا على الكراهة التنزيهية وكان حديث أبي بكر صارفًا له عن الحرمة .‏

وقد نص النووى فى شرح المهذب على أنه يكره رفع الصوت بالخصومة فى المسجد ولم يحكم عليه بالتحريم ، وكذا رفع الصوت بالقراءة والذكر إذا آذى المصلين والنيام نصوا على كراهته لا تحريمه .‏ فالحكم بالتحريم يحتاج إلى دليل واضح صحيح الإِسناد غير معارض ، ثم إلى نص من أحد أئمة المذاهب ، وكل من الأمرين لا سبيل إليه .‏
وهذا الحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك وقال :‏ صحيح على شرط مسلم ، قال المنذرى :‏ وقد أخرجه مسلم فى صحيحه والنسائى فى سننه ، والبخارى فى أحكام المساجد للزركشى .‏

ومن الأدلة حديث آخر رواه الطبرانى فى الأوسط عن عمار بن ياسر قال :‏ وقف على علىٍّ بن أبى طالب سائل وهو راكع فى تطوع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فنزلت {‏ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }‏ المائدة :‏ ‏55 وذكر السيوطى طرقا أخرى لنزول هذه الآية وفيها تصدق علىٍّ وهو راكع ، ثم ذكر حديثا للحاكم والبيهقى عن حذيفة بن اليمان قال :‏ قام سائل على عهد النبى فسأله ، فسكت القوم ، ثم إن رجلا أعطاه فأعطاه القوم ، فقال صلى الله عليه وسلم ” من سَنَّ خيرا فاستن به فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقص من أجورهم .

وذكر أن الحديث الذى ذكره ابن الحاج فى كتابه “المدخل” وهو “من سأل فى المسجد فاحرموه” لا أصل له ، وقال إن حكمنا بالكراهة مأخوذ من حديث النهى عن نشدان الضالة فى المسجد وقوله ” إن المساجد لم تُبْن لهذا” قال النووى فى شرح مسلم :‏ فى هذا الحديث النهى عن نشدان الضالة فى المسجد، ويلحق به ما فى معناه من البيع والشراء والإِجارة ونحوها وكراهة رفع الصوت فى المسجد بالعلم وغيره ، وأجاز أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج الناس إليه لأنه مجمعهم فلا بد لهم منه اهـ .‏

وجاء فى ” غذاء الألباب للسفارينى” “ج ‏2 ص ‏267” أن ابن تيمية سئل عن السؤال فى المسجد فقال :‏ أصل السؤال محرَّم فى المسجد وخارج المسجد إلا لضرورة ، فإن كانت ضرورة وسأل فى المسجد ولم يؤذ أحدًا كتخطيه رقاب الناس ، ولم يكذب فيما يرويه ويذكر من حاله ولم يجهر جهرا يضر الناس مثل أن يسأل والخطيب يخطب ، أو وهم يسمعون علما يشغلهم به ونحو ذلك جاز .‏