الذكر هو ما يجرى على اللسان والقلب فإن أريد به ذكر الله تعالى يكون المقصود به هو التسبيح والتحميد وتلاوة القرآن إلى غير ذلك .‏
والذكر حقيقة يكون باللسان وهذا يثاب عليه صاحبه فإذا أضيف إليه الذكر بالقلب كمل الذكر ؛ والذكر بالقلب هو التفكر فى أدلة الذات والصفات والتكاليف وفى أسرار المخلوقات إلى غير ذلك، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على فضل الذكر ومجالسه وأهله ولكننا لا نتعرض إلا بالقدر المطلوب فى هذه المادة وهو مدى اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء للذكر ومجلسه .‏

فنقول :ـ إنه قد ورد عن المهاجر بن قنفذ انه سلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه .‏
وقال ( إنه لم يمنعنى أن أرد عليك إلا أنى كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة )‏ رواه أحمد وابن ماجه وأبو داود والنسائى .‏
كما ورد عن عائشة رضى الله عنها قالت (‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه )‏ رواه الخمسة إلا النسائى .‏
فالحديث الأول يدل على كراهية الذكر للمحدث حدثًا أصغر إلا إذا توضأ .‏
أما الحديث الثانى وهو حديث عاشئة رضى الله عنها فأنه يدل على عكس ذلك وقد ورد حديث عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه وفيه (‏ أنه كان لا يحجزه عن القرآن شئ سوى الجنابة )‏ فهذا الحديث يدل على جواز قراءة القرآن فى جميع الحالات إلا فى حالة واحدة وهى حالة الجنابة .‏

والقرآن الكريم أشرف الذكر وإذا جازت قراءته بلا شرط وضوء فإن جواز غيره من الأذكار من باب أولى .‏

هذا وقد ذكر الإمام الشوكانى فى نيل الأوطار ج -‏ ‏1 ص ‏211 أنه يمكن الجمع بين حديث مهاجر بن قنفذ بأنه خاص فيخص به العموم الوارد فى حديث السيدة عائشة رضى الله عنها مع حمل الكراهة فيه على الكراهة التنزيهية لا التحريمية كما ذكر الإمام الشوكانى رضى الله عنه فى المرجع السابق ج -‏ ‏1 ص ‏213 ما نصه أنه يكره الذكر فى حالة الجلوس على البول والغائط وفى حالة الجماع فيكون الحديث (‏ يقصد حديث عائشة ولفظه عام )‏ مخصوصًا بما سوى هذه الأحوال ويكون المقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله تعالى متطهرًا ومحدثًا وجنبًا وقائمًا وقاعدًا ومضطجعًا وماشيًا .‏
قاله النووى
هذا ولما كان للوضوء بسبب وهو استباحة مالا يحل الإقدام عليه إلا به من صلاة ومس مصحف وطواف الخ ؛فهل الإقدام على الذكر يصلح سببًا للوضوء وهو ليس من ضمن ما لا يحل الإقدام عليه إلا به ؛ قطعًا أنه لا يصلح سببًا لذلك وإنما نص الفقهاء وأهل الحديث على استحباب الوضوء للذكر -‏ والاستحباب شئ والاشتراط أو الشرط شئ آخر -‏ لأن مؤدى الاستحباب أنه يجوز الذكر بغيره ولكن إن حصل وضوء للذكر فإنه يكون مستحبًا .‏

أما مؤدى الشرط أو الاشتراط فهو أن يتوقف عليه الشيئ ولا يتأدى إلا به ولم يقل أحد من الفقهاء بأن الذكر لا يتأدى إلا بالوضوء وبالتالى نستطيع أن نقول أن اشتراط الوضوء للذكر غير صحيح ويجوز شرعًا لمن اشترطه لنفسه أن يذكر الله تعالى فى جميع أحيانه إلا فى الأحوال المستثناة سابقا ولا يجوز شرعا اشتراط الوضوء على الناس للذكر لأن هذا الاشتراط يكون تشريعًا لم يقل به الشارع .‏