التلفزيون هو جهاز الرؤية من بُعد، ينقل الصوتَ والصّورة معًا، بل ينقل الصورة متحرِّكة كأنها حيّة، وتاريخ اختراعه مُشار إليه في الجزء الثالث من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، وهو يعرض أمورًا متعدِّدة، كما يُذيع الراديو موادَّ مختلفةً قد يصعُب على الكثيرين الحصول عليها لو لم تكن هذه الأجهزة فما كان من هذه الأمور والمواد حلالًا في أصله، ولم يؤثِّر تأثيرًا سيِّئًا على العقيدة أو الأخلاق، ولم يترتّب عليه ضَياع واجب، كان السّماع حلالًا والمشاهدة أيضًا حلالًا، وما خالف ذلك كان ممنوعًا يتحمّل تبِعتَه المُذيعون والمستقبِلون.

وأكثر ما يُسأل عنه هو النظر إلى النِّساء الرّاقصات أو المُمثِّلات أو غيرهن ممن يُبدين زينتهنَّ ويكشفْنَ ما أمر الله بسترِه، فقد يُقال: إن الناظر لا ينظر امرأة ولكن ينظر صورتَها، وقد تحدَّث الفقهاء قبل أن يظهر التلفزيون عن حكم النظر إلى صورة المرأة في المرآة، هل يعطَى حكم النظر إليها أو لا؟ ووضحه الكمال بن الهمام، ونقله الشيخ طه حبيب في فتوى نشرت له بمجلة الأزهر “نور الإسلام” عام 1932 في المجلد الثالث ص 492 وقال ما نصه:
والذي تسكُن إليه النّفس، ويَطمئِن له القلب هو أن النظَرَ إلى المرأة الأجنبيّة إنما يكون محرّمًا بسبب أنه داع وذَريعة إلى الوقوع فيما هو أشدُّ منه حُرمة، وهو الوقوع في المعصية الكبرى، وعليه فالنظر إلى المرأة الأجنبيّة المعيّنة بواسطة المرآة بقصد الشهوة غير جائز؛ لأنه ذريعة إلى محرّم، وكل ما كان كذلك فهو حَرام، سواء أكان ذلك مباشَرة أو بواسطة المِرآة . انتهى.

وإذا كانت هذا الكلام بشأن الصورة الجامدة التي يُخشَى من النظر إليها الفِتنة فإن النظر إلى الصورة المتحرِّكة أولى بالمنع لشدّة الفتنة بها، وإذا كان المِقياس هو الفتنةَ فالناس مختلِفون فيما يَفتِن وما لا يَفتِن وكلٌّ أدرى بنفسه.

وممّا يشهد لجواز مشاهدة المسرحيّات والألعاب البريئة ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: رأيتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَستُرني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية، فاقدِروا قَدْرَ الجارِية العَرِبَة ـ المُحبّة للعبِ ـ الحديثة السِّنِّ .

وفي رواية فإمّا سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإما قال ” تَشتهينَ تنظرينَ”؟ فقلت: نعم فأقاَمني وراءَه، خَدِّي على خَدِّه، وهو يقول “دونكم يا بني أرفدة” حتّى إذا مَلِلْتُ قال “حَسْبُكِ” قلت: نعم، قال “فاذْهبي” وبنو أرفدة لقب للحبشة، ولفظ “دونكم” يفيد الإغراء والاستزاده، وكان لعب الحبشة بإلقاءِ الحراب وتلقِّيها، كما ورد في رواية أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ” صفوة التصوف للمقدسي” وجاء في المطالب العالية لابن حجر “ج 4 ص 128” أن عائشة كانت تتفرَّج على “الدركلة” وهي ضَرْب من لَعِبِ الصِّبيان، وقيل: هو الرَّقص.

وفي تأكيد سماحة الإسلام في التمتع البريء أن النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي بكر وهو ينهَى الجواري عن الغناء لعائشة يوم العيد “دعْهُنّ يا أبا بكر فإنّها أيّام عيد، لتعلمَ اليهود أن في ديننا فسحة، وإني أرسلت بالحَنيفيّة السّمحة” رواه أحمد عن عائشة، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري رواية ذلك عن ابن السراج عن عائشة “فتح الباري ج 2 ص 515” وما جاء في الجامع الصغير للسيوطي أن هذا القول كان بمناسبة لَعِبِ الحبشة فضعيف.

ولا داعيَ للقول بأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجاز لها مشاهدة لعب الحبشة وسماع الأغاني، لأنها كانت صغيرة غير بالِغة، أو أن ذلك كان قبل أن يُفرَض الحِجابُ ويُحرَّم اللهو، فإن ذلك احتمال لا يُفيد القطعَ، وإلا ما كان هناك خِلافٌ للفُقهاء في هذه الأحكام “انظر موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ج 3 ص 138.