إذا مات الإنسان وعليه دَيْن لغيره وَجَب أن يقوم ورثته بسداد الدَّيْن قبل تقسيم التركة، وكما قال تعالى في آية المواريث: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن) (سورة النساء: 11) وذلك إذا كان عنده ما يسد به الدَّيْن، فإن لم تُوجد له تَرِكَة تفي بسداد الدَّيْن فلا يجب على الورثة شيء، وإن كان من السُّنة أن يقوموا هم بذلك حتى تنزل عليه رحمة الله، فهي لا تزال محبوسة عنه. ويمكن لغير أهله أن يتصدقوا بسداد دَيْنه حتى يرحمه الله.
ومَحَلُّ حَجْب الرحمة عنه حتى يُسد دَيْنُه إذا كان ناويًا قبل الموت ألا يُسد الدين، أما إذا كان ناويًا السداد فنرجو ألا يحجب الله عنه رحمته، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله” رواه البخاري.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يُؤْتى بالرجل الميت عليه الدَّيْن فيسأل “هل تَرَكَ لدينه قضاء”؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال “صلوا على صاحبكم” فلما فتح الله عليه الفتوح قال: “أنا أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوفي وعليه دين فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته” وفي حديث الطبراني “من دان بدَيْن في نفسه وفاؤه ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء” وروى أحمد وأبو نعيم والبزَّار والطبراني عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “يُدعى صاحب الدَّيْن يوم القيامة حتى يُوقف بين يدي الله عز وجل فيقول: يا ابن آدم، فيم أخذت هذا الدَّيْن، وفيم ضيَّعت حقوق الناس؟ فيقول: ياربِّ إنك تعلم أني أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع، ولكن أتى عليَّ إما حرق وإما سرق وإما وضيعة، فيقول الله: صدق عبدي، وأنا أحق من قضى عنك، فيدعو الله بشيء فيضعه في كِفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته”.
والميت الذي عليه دَيْن لم ينوِ الوفاء به تُحْجَب عنه الرحمة، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “نَفْسُ الميت مُعَلَّقَة بدَيْنه حتى يُقضى عنه” رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن، وإذا كان الشهيد نفسه، وهو من هو منزلةً عند الله، لا ينال هذه الدرجة إذا كان عليه دَيْن للعباد، كما صحَّ في الحديث “يُغْفَرُ للشهيد كلَّ شيءٍ إلا الدَّيْن” رواه مسلم، فكيف بغير الشهيد؟
وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المُفْلِس يوم القيامة فقال: “إن المُفْلِسَ من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شَتَمَ هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دمَ هذا وضرب هذا، فيُعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فَنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ثم طُرِحَ في النار” رواه مسلم وروى البخاري مثله بلفظ “من كانت عنده مَظْلَمة لأخيه، من عِرْضِه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
إنَّ الدَّيْن خطير تجب المبادرة بسداده قبل الموت وقبل أن تكون المواجهة بين المدين وأصحاب الحقوق يوم القيامة فربما لا يسامحون، وقد ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذكَّر في الصلاة أن في بيته بعض الأموال لم تُسَلَّم إلى أصحابها، فتوجه بعد الانتهاء منها بسرعة لافتة للنظر وأمر بدفعها إلى أصحابها وعاد إلى المسجد ولمَّا سألوه قال: “تذكرت مالاً فخشيت أن يحبسني” أي يحبسه الله يوم القيامة ويسأله: لِمَ لم تؤده. رواه البخاري.