إذا كان الإسلام قد أوصى بالرَّحمة بالخدم بمثل قوله ـ صلى الله عليه وسلم: “هم إخوانكم وخَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليُلْبِسه مما يلبس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم” رواه البخاري ومسلم، فإنه قد أوجب على الخدم أن يكونوا أمناء، لعموم قوله تعالى حكاية عن بنت شعيب وموسى (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَويُّ الأمِين) (سورة القصص : 26).

والأمانة المطلوبة من الخادم أبرز ميادينها ثلاثة: المال والعِرض والسِّر، وبخصوص السر ـ بحكم وضعه وتمكُّّنه من الاطلاع على الأمور الخفية ـ روى مسلم عن ثابت عن أنس قال: أتى عليَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا ألعب مع الغلمان فسلَّم علينا، فبعثني في حاجته، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ فقلت: بعثني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تخبرنَّ بسر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدًا. قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك به يا ثابت، وروى البخاري بعضه.
وفي إرشاد أم أنس له بألا يُفْشِي سِرَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ توجيه لأولياء الخادم في عدم الإلحاح عليه أن يخبرهم بما يحدث له، أو ينقل أخبار مخدومه، كما أن موقف أنس فيه صلابة في حِفْظِ السِّر يجب أن تُحْتَذَى، حتى لو كان إفشاؤه لأعزِّ الناس عنده وألصقهم به.
والخادم الذي يُفْشِي أسرار البيوت خائن، لا حُرْمَةَ في الاستغناء عنه، اتِّقاء لضرره، ولعل طرده يكون عِبْرَة له ليتوب، وَعِظَة لغيره أن يلتزم بأدب المحافظة على الأسرار.