الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مطلوبة بوجه عام لقوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَه يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْه وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56).

ومن مواضع تَأَكُّدِهَا يوم الجمعة وعقب الأذان لورود الحديث الصحيح بذلك، فقد روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “إذا سمعتم المُؤَذِّن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ..

وإذا كان الأمر في هذا الحديث لمن يَسْمَعُونَ الأذان فإنه لم يَرد نهي عنها للمؤذن، فيبقى طلبُها منه مؤكَّدًا كطلبها من غيره قائمًا، كما قال بعض العلماء، ورأى آخرون أن نحافظ على ما كان عليه العمل أيامَ الرسول وصحابته من عدم رفع المُؤَذِّن صوته بها، وإن لم يمنعوا أن يقولها سرًا فهي قُرْبَة في كلِّ وَقْت. وما خالف ذلك فهو بِدْعَة ضلالة تُؤَدِّي إلى النار، وقال ابن حجر في الفتاوى الكبرى: قال المشايخ: الأصل سُنَّة والكيفية بِدْعَة .

فهناك اجتهادان أو رأيان في كونها ممنوعةً أن يجهر بها المُؤَذِّن أو غير ممنوعة، ولهذا لا يجوز التعصُّب لأحد الرأيين، فالتعصُّب لغير القطعي منهيٌّ عنه؛ لأنه يُحْدِث فتنة، مع العلم بأن الجهرَ بالصلاة على النبي بعد الأذان لا يُحدِثُ ضررًا، ولم يَرِدْ عنه نهي بخصوصه، كما قدَّمنا .

ومما هو جدير بالذِّكْر أن المُفْتي الأسبق للديار المصرية المرحوم الشيخ محمد بخيت المُطيعي المتوفَّى سنة 1935 م قال في كتابه ” أحسن الكلام فيما يتعلَّق بالسُّنَّة والْبِدْعَة من الأحكام ” أن أمير مصر في القرن الثامن الهجري أمر بها ، ونحن مأمورون بطاعة ولي الأمر فيما ليس بمعصية ، وهي ليست بدعة هوى بل سُنة هُدى؛ لأن الحديث يقول ” من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ” وفي رواية مسلم ” من سنَّ سُنة حسنة في الإسلام فَعَمِلَ بها بعده كُتِبَ له مثلُ أجرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُص مِنْ أُجُورِهِمْ شَيء ” .

ومع ذلك نقل الشيخ محمد عبده عن ” الخانية ” في فقة الحنفية أنها بدعة ، وقال : لا عِبْرة بقول من قال إنها بدعة حسنة ؛ لأن كل بدعة في العبادات سيئة . اهـ .

هذا مع العِلْم بأنها ليست من الأذان الشرعي ، بل هي زائدة عليه ، وإطلاق أن كلَّ بدعة في العبادات ضلالة غير مُسَلَّم عند كثير من العلماء .

فالخلاصة أن الجهر بالصلاة علي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد الأذان فيه رأيان الجواز والمنع ، ولا ينبغي التعصُّب لرأي من الآراء.

وننصح كلَّ مسلم أن يتريث في الحكم على الأشياء ، وأن يطَّلع على أقوال المجتهدين ليكوِّن من ذلك رأيًا ، وإذا دعا إليه فليكن ذلك بالحِكْمَة والموعظة الحسنة.

كما ننصح بعدم الإكثار من الزيادات بعد الأذان مما ليس له أصل يُعتمد عليه ، كذكر المشايخ والأولياء وغيرهم ، ونشدِّد التنبيه على الاهتمام بالمسائل الأصلية وعلاج القضايا والمشكلات الضاغطة وبخاصة في أيامنا الحاضرة ، بدلاً من بذل الجُهد الكبير والمال الوفير في الدعوة إلى سُنة لو تركناها أصلاً ما كان لها ضرر في عبادتنا ولا في سلوكنا .