روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ” اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهدًا لن تُخْلِفَنِيهُ، فأيما مؤمن آذيته أو سببْته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تُقرِّبه بها إليك يوم القيامة “، وفي رواية لمسلم: ” فأيُّما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس هو لها بأهل … “.

فإن قيل: كيف يدعو بدعوة على مَن ليس لها بأهل؟ قيل ـ كما نقله ابن حجر عن المازري ـ المراد ليس بأهل لذلك عند الله في باطن الأمر لا على ما يظْهر مما يَقْتضِيه حاله وجنايته حين دعا عليه، فكأنَّه يقول من كان في باطن أمره عندك ممَّن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه ـ التي اقتضاها ما ظهر لي من مُقْتضى حاله حينئذ ـ طهورًا وزكاة .

وهذا صحيح لأن الرسول متعبِّد بالظواهر وحساب الناس في البواطن على الله. وما فعله كان اجتهادًا، أو لم يكن مقصودًا، بل هو مما جرت به عادة العرب في كلامها بلا نية، كقوله لغير واحد: ” تَرِبَتْ يَمِينُكَ”، وهذا نادر من النبي فهو لم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا ولا لعَّانًا ولا مُنتقمًا لنفسه ” الزرقاني على المواهب ج5 ص 241 “.

وفي تفسير القرطبي ” ج10 ص 226 “: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سَلَّمَ أسيرًا إلى أمِّ المؤمنين سودة، فبات يَئِنُّ، فسألته فقال: أنيني لشدة القِدَّ والأسر، فأرخت من كتافه، فلما نامت هَرَب، فأخبرت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: “قَطَعَ اللَّهُ يَدَيْكِ “، فلما أصبحت كانت تتوقع الآفة، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ” إني سألت الله أن يجعل دعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة؛ لأني أغضب كما يغضب البشر”، ونزلت الآية: ( وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا ) (سورة الإسراء: 11 ). ذكره القشيري أبو نصر رحمه الله. انتهى ولم يُبين درجة هذه الرواية، وهي خاصة بدعائه على أهله.

أما رواية مسلم فهي عامة في كل مَن يدعو عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي أليق بما وُصف به من الرحمة الشاملة لأهل بيته وغيرهم ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيْزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرَيْصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِيْنَ رَءُوفٌ رَحَيْمٌ )(سورة التوبة : 128 ) بل الشاملة لمَن آمن به ومَن لم يؤمن: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلعَالَمِيْن ) ( سورة الأنبياء : 107 ) بل الشاملة للحيوانات أيضًا، والأخبار في ذلك كثيرة.