مسألة رد الدين عند تغير القيمة مسألة اختلف فيها الفقهاء، فمنهم من قال يرد المثل، ومنهم من قال ترد القيمة، ومنهم من قال إن كان الفرق قليلا ردت القيمة عند الاقتراض، وإن كان كبيراً ردت القيمة عند السداد، وإذا اتفق الدائن مع المدين على التسديد بالقيمة، فلا مانع، وإذا اتفقوا على رد المثل فلا مانع.

يقول الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله تعالى ـ:

هذه الحالة تكون أقرب إلى القرض، وفيها ثلاثة آراء للعلماء:

الرأي الأول : أن المُعوَّل عليه المِثْلُ عند الاقتراض فالمائة تُرد مائة، وهذا هو الرأي المشهور عند المالكية والمشهور عند الشافعية، ورأي في مذهب الحنفية والمذهب الحنبلي .

يقول السيوطي في كتابه ” الحاوي للفتاوى ” ج 1 ص 96 : وقد تقرَّر أن القرْض الصَّحيح يُرد فيه المِِثْل مطلقًا . فإذا اقترض منه رطلَ فلوس فالواجب ردُّ رطل من ذلك الجنس، سواء زادت قيمته أم نقُصت .
ومثل ذلك جاء في كلام ابن رشد في النَّوازِل، والحطَّاب على قول خليل، والكاسَاني في البَدائِع، والبُهُوتِي في كشَّاف القناع؛ وذلك لأن التغيُّر ليس ناشئًا من ذات النقد، بل من فتور رغبات الناس .

والرأي الثاني: أن المُعوَّل عليه هو القيمة عند السداد، وهو قول أبي يوسف، ورجَّحه متأخرو الحنفية، ورأي في المذهب الشافعي، وفي المذهب المالكي، وقوَّى ذلك ابن تيمية، معتمدًا على أن تغيُّر السعر أو القيمة يُعتبر في حدِّ ذاته عيْبًا، فلا يُرد المِثْل بل القيمة عند ثُبوت الدَّين .

والرأي الثالث: يقول: إن كان الفرق قليلاً رُدت القيمة عند الاقتراض، وإن كان كبيرًا رُدت القيمة عند السداد، وقال به بعض المالكية، وعند بعض الشافعية قريب منه .
وعند تَراضي الطرفين على كيفية السداد يُقْبل التَّراضي وإن كان السعر عند السداد مجهولاً وفيه غَرَر. (ملخص من بحث طيب للدكتور/ شوقي أحمد دنيا. منشور بمجلة المسلم المعاصر. عدد/41.لسنة 1405هـ).

والناظر إلى الرأي الأول يرى فيه غَبْنًا على الدائن إن غلت أسعار الأشياء فانخفضت قيمة الدين .

وفي الرأي الثاني أيضًا غَبْن للمَدين إن رَخَصَت أسعار الأشياء فزادت قيمة الدين .

وكل هذه الآراء اجتهادية ليست فيها نصوص قاطعة، ولا يَسْلَم أيُّ رأيٍ منها من اعتراض بسبب غبْن يقع على الدائن أو المدين، والإنسان في حِلٍّ أن يأخذ بأيِّ رأي منها، وقد يكون الاتفاق على كيفية السداد هو الأسلم والأبعد عن التنازع والغَبْن وإن كان فيه غَرَرٌ ما، وذلك من باب ارتكاب أخف الضررين .

فكثير من المعاملات المالية لا يخلو من غَرَر، ولكن يُتسامح فيه عند تحقُّق مصلحة أكبر، والدين يسر .

والله تعالى أعلم.