روى الإمام أحمد والطبراني عن عقبة بن عامر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “يَعْجَب ربُّك من الشاب ليست له صَبوة” والصَّبوة هي المَيل والانحراف، أورد الإمام الغزالي هذا الحديث في كتابه “إحياء علوم الدين” عند كلامِه عن التوبة، وقال: إن الناس قسمان، شابٌّ لا صَبوةَ له ، نشأ على الخير واجتناب الشَّرِّ، وقال: إن هذا القِسم عزيز نادر.

والعراقي في تخريجه لأحاديث الإحياء قال: إن هذا الحديث في سنده “ابن لهيعة” ولم يقل: إنّه صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع، ذلك لأن ابن لهيعة اختلف علماء الحديث في قَبول روايته وعدم قَبولها.

ومن الذين قبلوا روايته مطلقًا أحمد بن حنبل والثوري وابن وهب وابن مَعين، ومن الذين رفضوا روايته مطلقًا يحيى بن سعيد والنسائي والترمذي والحاكم، وبعض منهم قَبِلُوا روايته قبل احتراق كُتبه، منهم ابن حبان وابن خزيمة، والراجح في أمرِه ما ذكره ابن حجر من أنه صدوق يُحْتَجُّ به قبل التخليط وقبل احتراق كتبه، والتخليط مرضٌ يؤثِّر على الضبط.

والحديث على الرغم من الاختلاف في سنده صحيح المعنى لأن الشابَّ المستقيم الذي نشأ في طاعة الله ولم ينحرِف جاء الحديث الصحيح بأنه سيكون من السبعة الذين يُظِلُّهم الله في ظِلّه يومَ لا ظِلّ إلا ظِلّه، ذلك أن الشابّ في فترة شبابِه تتجاذَبه عدة عوامل تُغريه بالخَطأ فغرائِزه قويّة قد يضعُف العقلُ أمام سلطانِها، وإذا خاف الشابُّ ربَّه من تلبية نداء غرائزه بدون حدود عاش في جهاد وعِراك ومُغالبة لينتصر على شهواتِه، وهذا الجهد المَبذول يقدره اللهُ حقَّ قدرِه، ويكافِئ عليه صاحبه بما يتناسب مع إيمانه وخوفه من ربّه.

والتعبير في الحديث بأن الله يتعجَّب من الشابِّ الذي ليست له صبوة يُراد به الرِّضا عنه رضاءً كبيرًا، ففيه مُشاكَلة لما يحدث بين الناس من التعجُّب والدهشة للأمر الغريب الذي يخرج عن المألوف.

وقد ينتهي التعجُّب والاستغراب بعد معرفة الأسباب إلى الإعجاب والإكبار، أو يكون هو المراد من الحديث، ويُشبهُه ما جاء في حديث رواه أبو داود والنسائي عن عقبة بن عامر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال “يعجَب ربُّك مِن راعي غَنَمٍ في رأس شَظية للجبل، يؤذِّن للصلاة ويصلِّي، فيقول الله عز وجل: انظُروا إلى عبدي هذا، يؤذِّن ويُقيم الصلاة يَخافُ مني، قد غَفَرت لعبدي وأدخلتْه الجَنّة.

ذلك أن الراعيَ في عمله الشاقِّ وفي بُعده عن أنظار الناس لا ينسى واجبَه نحو ربِّه الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السّماء، فيؤذن للصّلاة ويؤدِّيها مخلِصًا لله وحدَه راجيًا ثوابَه خائِفًا من عقابه، وكثير من الناس في مثل هذه الحالة لا يهتمُّون بأداء الواجب، لأن أحدًا لن يؤاخذَهم، فهم في خَفاء عنه، ناسين أن الله رقيبٌ عليهم.

فالحديث صحيح في معناه لأن النصوص القويّة تشهَد له، وهو دعوة إلى الإخلاص والمُراقبة في كلِّ عمل، ومجاهدة السّوء مهما كانت مُغرِياته.