لا يَخلو حال المؤجر من أمرين:

إما أن يكون عالمًا بارتكاب المستأجر للمحرم، كأن شرط في العقد أن الإجارة لهذا العمل، أو لم يشترط ولكن يعرف أن المحرم سيرتكب فيه.

وإما ألا يكون عالمًا بذلك. وفي هذه الحالة الإجارة صحيحة والأجرة مستحقة وحلال باتفاق الأئمة.
وإن قال غير أبي حنيفة له الحق في أن يمنع بنفسه المستأجر من مزاولة المنكر أو بطريق القانون.

وفي الحالة الأولى قال الأئمة الثلاثة ووافقهم أبو يوسف ومحمد من أصحاب أبي حنيفة: بطلت الإجارة لأنها وقعت على معصية، وقال أبو حنيفة بصحة الإجارة وطيب الأجرة التي وَجَبَت بمجرد تسليم العَيْن المؤجَّرة ولا معصية عليه. وإنما على المستأجر، لأنه مختار في فعله ولا يَتَعَيَّن عليه اتخاذ المكان لهذه المعصية، وكانت الأجرة طيبة له حتى لو أخذها من إيراد هذا المنكر.

ورأيُ الجمهور أقوى وهو بطلان العقد وحرمة الأجر، وإن فسَّر بعضهم رأي أبي حنيفة بصحة العقد واستحقاق الأجر وإن حرم الانتفاع به، وهو تفسير غير مستساغ، فما فائدة استحقاق الأجر إذا حَرُمَ الانتفاع به، اللهم إلا إذا كان سَيَدْفَعُه في مصلحة عامة للمسلمين للتبرؤ منه وليس للتبرع، فإن الله طَيِّبٌ لا يَقبَل إلا طيبًا، كما قال الفقهاء في التصرف في المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه ، وتركه لصاحبه في هذه المسألة مساعدة له على الحرام، والشرع لا يوافق على ذلك، هذا ما أراه تبريرًا لرأي أبي حنيفة.