جاء في كتاب “الأذكار ” للنووي ” ص 120″ أن إجماع مَن يُعْتَدُّ به على جواز الصلاة واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالاً ـ أي يقال مثلاً: موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأما غير الأنبياء فالجمهور أنه لا يُصَلَّى عليهم ابتداء، فلا يقال : أبو بكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
واختُلف في هذا المنع، فقال بعض أصحابنا ـ الشافعية ـ هو حرام، وقال أكثرهم : مكروه كراهة تنزيه ـ أي لا عقوبة فيه ـ وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأولى وليس مكروهًا، والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نُهِينَا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا: والمُعتَمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، كما أن قولنا “عز وجل” مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزًا جليلاً، لا يقال: أبو بكر أو علي ـ صلى الله عليه ـ ، وإن كان معناه صحيحًا.
واتفقوا على جعل غير الأنبياء تَبَعًا لهم في الصلاة، فيقال: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أُمِرنا به في التشهد ولم يَزَل السلف عليه خارج الصلاة.

وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا : هو في معنى الصلاة فلا يُستعمل في الغائب، فلا يُفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: عليٌّ عليه السلام، وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطَب به، فيقال: سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مُجْمع عليه . انتهى كلام النووي.

وجاء في “غذاء الألباب للسفاريني ج 1 ص 21” اختَلف العلماء في الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، هل تجوز استقلالاً أو لا، فقال ابن القيم في “جلاء الأفهام” هذه المسألة على نوعين، أحدهما أن يقال: اللهم صلِّ على آل محمد، هذا يجوز، ويكون ـ صلى الله عليه وسلم ـ داخلاً في آله، فالإفراد عنه وقع في اللفظ لا في المعنى.
والثاني أن يُفرَد واحدًا بالذِّكْر، كقوله: اللهم صلِّ على علي أو حسن أو أبي بكر أو غيرهم من الصحابة ومن بعدهم، فكَره ذلك مالك، قال: لم يكن ذلك من عمَلِ مَن مَضَى وهو مذهب أبي حنيفة وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري، وبه قال طاووس. وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لا تنبغي الصلاة إلا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكن يُدعَى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار، وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز.

روى ابن أبي شيبة عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد ، فإن ناسًا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن من القصّاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا جاء كتابي فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين عامة.
وهذا مذهب أصحاب الشافعي ولهم ثلاثة أوجه، أنه منع تحريم أو كراهة تنزيه أو من باب ترك الأوْلى وليس بمكروه، حكاها النووي في الأذكار.

ثم قال: وقالت طائفة من العلماء: تجوز الصلاة على غير النبي استقلالاً، قال القاضي أبو حسين الفرا من أئمة أصحابنا ـ فى رءوس مسائله ـ : وبذلك قال الحسن البصري ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وكثير من أهل التفسير، وهو قول الإمام أحمد ـ رضي الله عنه ـ ، مَضَى عليه في رواية أبي داود، وقد سئل: أينبغي أن يُصلِيَ على أحد إلا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ قال: أليس قال علي لعمر: صلَّى الله عليك؟ قال القاضي: وبه قال إسحاق بن راهويه وأبو ثور ومحمد بن جرير الطبري: واحتج هؤلاء بصلاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جماعة من أصحابه ممن كان يأتيه بالصدقة، واختار ابن القيم الجواز ما لم يَتخذه شعارًا أو يَخص به واحدًا إذا ذُكِرَ دون غيره ولو كان أفضل منه، هذا ملخص كلامه.

ثم تَحدَّث السفاريني عن السلام هل هو كالصلاة خلافًا ومذهبًا أو ليس إلا الإباحة فيجوز أن يقول : السلام على فلان، وفلان عليه السلام؟ أما مذهبنا ـ الحنبلي ـ فقد علمت جوازه من جواز الصلاة على غير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استقلالاً بالأولى، وأما الشافعية فكرهه منهم أبو محمد الجويني، فمنع أن يقال: فلان عليه السلام ، وفرق آخرون بينه وبين الصلاة فقالوا: السلام يَشرع في حق كل مؤمن حي وميت حاضر وغائب، فإنك تقول: بلِّغ فلانًا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة، فإنها من حقوق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولهذا يقول المصلي: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ثم ذكر السفاريني أن الصلاة على غير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسائر الأنبياء والمرسلين والملائكة جائزة بطريق التبعية.