تعزية المسلم لغير المسلم جائزة حيث إن الله أمر بالبر بهم والقسط معهم، أما الدعاء بالرحمة والهداية فجائز حال حياتهم، لكن بعد موتهم على الكفر فلا يجوز الدعاء لهم بالرحمة ولا الهداية ، لأن أعمالهم قد انقطعت وقد أفضوا إلى ما قدموا.
يقول فضيلة الشيخ عطية صقر -رحمه الله تعالى- رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر:
أما مبدأ التّعزية فمشروع، وهو ضمن البِرِّ الذي جاء في قوله تعالى: (لا يَنهاكُمْ اللهُ عن الذينَ لم يُقاتِلوكم في الدِّينِ ولم يُخرِجوكُمْ مِن دِيارِكمْ أنْ تَبَرُّوهم وتُقْسِطوا إليهم إِنّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ) (الممتحنة : 8) وقرّر الفقهاء أن يُقال لغير المسلم: أخلفَ الله عليك، ومن صُور المُجاملات أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاد غُلامًا يهودِيًّا كان يخدُمه، وعرض عليه الإسلام فأسلمَ، كما رواه البخاري في “الأدب المفرد” وذكر ابن حجر في “المطالب العالية” ج1 ص 212 فالمُجاملات جائزة ولكن في حدود الشَّرْع.

وقد يجري على بعض الألسنة عند العَزاء أو الحديث عن ميّت غير مسلم عبارة: المرحوم فلان، أو الله يرحَمه، فإن كانت العبارة إخْبارًا عن الميِّت بأنه مرحوم فذلك لا يصحّ؛ لأنه ذهبَ إلى ربِّه بما عمل وهو أعلم به، حتى الإخبار عن المسلم بأنه مرحوم هو أمر ظَنِّيٌّ لا ينبغي أن يؤخَذ مأخَذ الحقيقة.

روى الترمذي أن غلامًا استُشْهِد يوم أحد، فوجَد المسلمون على بطنه حجرًا مربوطًا، بسبب الجوع، فمسحت أمُّه التُّراب عنه وقالت: هَنيئًا لك الجَنّة يا بُنَي، فقال ـ صلّى الله عليه وسلم ـ “وما يُدريك لعلّه كان يتكلَّم فيما لا يَعنيه، ويَمنع ما لا يضُرُّه”.

فإذا كان هذا في المسلم فغير المسلم من باب أولى لا نُخبر عنه بأنه مرحوم، أو ذهب إلى رحمة الله. وإذا كانت رحمة الله وَسِعت كل شيء لكنه كتبها للمؤمنين الصالحين، الذين يتَّبعون النبي الموصوف في التوراة والإنجيل.

أما الدعاء له بالرحمة، أو قراءة الفاتحة ليرحمَه الله، فذلك للمسلم جائز إذا مات على الإيمان بأن لم يصدُر عنه شيء يُكَفَّر به، أما غير المسلم فقد تحدّث العلماء عن الاستغفار أو طلب الرّحمة له، في حال حياته أو بعد مَماته، فقالوا: إن كان حَيًّا جاز الاستغفار وطلب الرّحمة والهِداية بالتوفيق إلى الإيمان، وعليه يُحمل ما ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال عن قومِه المُشركين: “اللهمّ اغفِرْ لقومِي فإنّهم لا يَعلمون” رواه البخاري ومسلم، وذلك على بعض الأقوال التي قالت: إن هذا إنشاء من الرسول، وليس حكاية عن نَبي سابق دعا لقومِه.

ويحمل أيضا ما رواه مسلم أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ لمَّا زار عمّه أبا طالب في مرضِه الذي مات فيه وعرَض عليه الإسلام فأبى، قال : “أما والله لأستغفِرَنّ لكَ ما لم أُنْهَ عن ذلك” فأنزل الله تعالى: (مَا كَانَ للنَّبِيِّ والذينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغفِروا للمُشركينَ ولو كانوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعدِ ما تبيّن لهم أنّهم أصحابُ الجَحيم . وما كانَ استِغفارُ إبراهيم لأبِيهِ إلا عن مَوعِدة وعدَها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدُوٌّ لله تبرَّأَ منه) (التوبة : 113، 114).

فالاستغفار للأحياء جائز؛ لأن إيمانهم مرجُوٌّ، أما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدعَى له.قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسَكوا عن الاستغفار ، ولم ينْهُهم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا.

فالدُّعاء لمن ماتَ غير مؤمِن بأن الله يرحمه أو يغفر له، أو قراءة الفاتحة له، لذلك لا يجوز، وقد روى مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استأذَن ربَّه أن يستغفر لأمِّه فلم يأذَن له.

لا يُقال إن الآية خاصّة بالموتى المُشركين، أما اليهوديّ والنّصارى فليسوا كذلك، لا يقال هذا لأن الله قال في كلّ من كان على غير الإسلام: (ومَنْ يَبْتَغِ غيرَ الإسْلامِ دِينًا فلنْ يُقبَلَ مِنْهُ وهو فِي الآخِرةِ مِن الخَاسِرينَ) (آل عمران : 85) وقال في عُبَّاد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى (إنَّ الذينَ كَفَروا من أهلِ الكِتاب والمشركينَ في نار جَهَنَّمَ خالدينَ فيها أولئكَ هم شَرُّ البَرِيّة) (البينة : 6) ووصف بعض أهل الكتاب بأنّهم كفّار فقال جل شأنُه: (لَقدْ كَفَرَ الذينَ قالُوا إنّ اللهَ هو المَسيحُ ابنْ مَريمَ) وقال تعالى: (لَقَدْ كَفَر الذينَ قالوا إنّ اللهَ ثالِثُ ثلاثة) (المائدة : 72، 73).
وقال تعالى في الكفار جميعًا (إنّ الذينَ كَفروا وماتُوا وهم كُفّار أولئكَ عليهم لعنَةُ اللهِ والملائِكةِ والنّاسِ أجْمعينَ . خالِدينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنهُمْ العَذابُ ولا هُمْ يُنْظَرونَ) (البقرة : 161، 162).

ومن هنا لا يجوز وصف الميّت غيرِ المُسلِم بأنه مرحوم، ولا الدعاء له بالرحمة.انتهى

ويقول الدكتور خالد محمد عبد القادر أستاذ الشريعة بالجامعات اللبنانية :‏‎‎ ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أن يعزّي المسلم الكافر، وكان الثوري يقول : يعزي المسلم الكافر ويقول له : (لله السلطان والعظمة).. وكان الحسن يقول : إذا عزيت الكافر فقل : (لا يصيبك إلا خير).. وكان أبو عبد الله بن بطة يقول : يقال في تعزية الكافر : (أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدًا من أهل دينك) .
‎‎ والصحيح عندي أن للمسلم أن يختـــار من الأدعيـــة ما يــراه مناسبًا مما ليس فيه دعاء للميت ولا قوة للحي.‏
‎‎ وهناك قول للشافعية، ورواية عن أحمد بالمنع من تعــزية الكافـــر إلا إذا رجي إسلامهم.
‎‎ ولا أجد دليلاً على هذا المنع، فإذا جازت عيادة مرضاهم، واعتبرناها من البر ومحاسن الإسلام، فلئن تجوز تعزيتهم أولى، سواء رجونا بذلك إسلام القوم أو بعضهم أو لا. قال تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) (الممتحنة : 8).‏