يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) (سورة يسن: 55، 56).

قال المُفسِّرون: إن الشُّغُل هو المتعة التي تكون بين الأزواج والزَّوْجات، ونُسب هذا التَّفْسير إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بل نُسب إلى النَّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث رواه أبو يَعْلي والطَّبَراني والبيهقي، وجاء في ذلك حديث أخرجه البزار والطبراني وغيرهما: ” أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عُدْنَ أبْكارًا” وفي مجال الحديث عن هذه المتعة تحدَّث العُلَماء عن أَثَرِها في الإنْجاب والتَّوالُد، فذكر العَدَوى في كتابه ” مشارق الأنوار ص 186″ أنَّ العُلَماء اختلفوا في ذلك، فقال بَعْضهم هناك توالد ونسْل، مُسْتَدِلِّين بحديثٍ رَوَاه التِّرمذي بسند حسن: “المؤمن إذا اشتهى الوَلَد في الجنة كان حمله ووضعه وسِنُّه في ساعة كما يَشْتهي” قال الترمذي: اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: في الجَنَّة جماع ولا يكون ولد، وهو مروي عن طاووس وعن مُجاهد والنخعي، وقال إسحاق بن إبراهيم في هذا الحديث: إذا اشتهى ولكن لا يشتهي.

وقال جماعة: فيها الولد إذا اشتهاه الإنسان.
فالخُلاصة أن هناك رأييْن في التَّوالد، قال بعضهم: لا توالد، وقال بعضهم الآخر: فيه توالد ولكن إذا اشتهى الرجل ذلك، ويكون الحمل والوضع والسن ـ الذي يريده الإنسان طِفْلًا أو شابًا مثلًا ـ في ساعة أي زمن وَجيز، وهذا الكلام قيل: إنه موقوف لم يُرفع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقيل: مرفوع إليه بإسناد حسن، أو كالمرفوع إليه؛ لأنه لا مجال فيه للرأي.

ومثل هذه الأمور الغَيْبية لا يُقبل في اعتقادها إلا الدَّليل القوى بدرجة خاصة من القرآن والسنة في قطعية الثُّبوت والدِّلالة، فالأوْلى ترك الجدال فيها، وسنعرف ذلك عند دخول الجنة إن شاء الله. وطريق ذلك طريق الإيمان والعمل الصالح. هذا ، وعلى رأي من يقولون: ليس في الجنة توالد ونسل فمِن أين يجيء الوِلْدان المذكورون في القرآن بأنهم من مُتعة الجَنة؟ يقول الله سبحانه في أهل الجنة (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ . مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ . يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ . بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) (سورة الواقعة 15-18)، وجاء ذكر الوِلْدان في مواضعَ أخْرى من القرآن.

فَفِي بَعْض الأقوال أن الله أنْشأهم لأهل الجنة كما شاء من غير وِلَادَةٍ، وقال عليُّ بن أبي طالب والحسن البصري: الوِلْدان هَهُنا وِلْدانُ المسلمين الذين يَموتون صغارًا ولا حَسنةَ لهم ولا سيِّئة، وقال سَلْمان الفارسي: أطْفال المُشركين هم خَدم أهل الجنة. قال الحسن: لم تَكن لهم حسنات يُجْزَوْن بها، ولا سيِّئات يُعَاقبون عليها، فوضعوا هذا الموضع. ثم قال القرطبي بعد ذلك هذه الأقوال: والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإنسان.

وفسَّر كلمة ” مُخلَّدون” بأنَّهم لا يَمُوتون، أو لا يَهْرمون ولا يتغيَّرون، أو مُقرَّطون أي لابسون للقُرْط كما قال سعيد بن جبير، حيث يُقال للقُرْط الخَلَدَة، ولجماعة الحلي الخِلْدة، وقيل هم مسوَّرون، وقيل مُمَنْطَقُون أي لابسون للمناطق وهي الأحْزمة، “تفسير القرطبي ج17 ص 202،203” يقول ابن كثير “ج8ص317”: إنَّ أنْواع الحلية التي تكون على الوِلْدان دليل على أنَّهم صغار؛ لأنَّ الكِبَار لا يَليق بهم ذلك، وقد جاء في وصفهم قوله تعالى: (إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) (سورة الإنسان:19) يقول ابْن كثير أي إذا رأيْتَهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصبَاحة وجوههم وحُسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حَسِبْتَهُمْ لؤلؤًا منثورًا، ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن، هذا والتمتع بالولدان هو كالتمتُّع بالخَدَم من حيث وجودُهم مع الإنسان على غِرار ما كان في الدنيا، وليس تَمتُّعًا كما ظن بعض المتحدِّثين في الدِّين بلا علم أو ببواعث ليست لائقة.