يقول الله تعالى: (ومَنْ يُطِعِ اللهَ والرّسولَ فأولئِكَ مَعَ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا . ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللهِ وكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا) (سورة النساء: 69، 70).

ويقول تعالى: (جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلونَهَا ومَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وأَزْوَاجِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ والمَلائِكَةُ يَدْخُلونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ) (سورة الرعد: 23، 24).

ويقول تعالى: (والذينَ آَمَنُوا واتَّبَعَتهْمُ ذُرِّيّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ومَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ كُلُّ امْرئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (سورة فاطر : 21).

ويقول: (إنّ أصْحابَ الجنّةِ اليَومَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ) (سورة يس : 55 ، 56).

وفى حديث متّفق عليه أن رجلاً قال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحبّ قومًا ولم يلحَق بهم، فقال له: “المَرء مَع مَنْ أحبّ”.

تدلّ هذه النصوص وغيرها على أن المؤمن إذا أكرمه الله بدخول الجنة لا يمنعه شيئًا تَشتَهيه نفسه من طعام وشراب وملذّات أخرى ماديّة ومعنويّة، ومنها لقاء الأصحاب وتعارُف الإخوان، واجتماع شَمل الأسرة من الأزواج والذ ُّرّيّة، حتّى لو تفاوتَتْ درجات هؤلاء وتباعَدتْ منازِلهم، فسُبُل الاتصال ميسورة لا تعجز عنها قدرة الله ، وقد أخرج الطبراني وغيره بسند لا بأس به أن رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إنّك لأحبُّ إليَّ من نفسي وولدي، وإني لأكونُ في البيت فأذكرُك، فما أَصْبِرُ حتى آتى فأنظرُ إليك، وإذا ذكرت موتِي وموتَكَ عَرَفْتُ أنك إذا دخلتَ الجنّةَ رُفِعْتَ مع النبييّن، وأنّى إذا دخلت الجنّة خَشِيتُ ألاّ أراك، فأنزل الله (ومَنْ يُطِعِ اللهَ والرّسولَ فأولئِكَ مَعَ الذِينَ أنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبيّينَ والصِّدِّيقينَ) إلى آخر الآية: وفي رواية عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: إن الله لَيرفعُ ذريّة المؤمن معه في الجنّة، وإن كانوا دونَه في العمل لَتَقَرُّ بهم عينُه، وتلا قوله تعالى: (والذينَ آمنُوا واتّبعَتْهم ذريَّتُهم بإيمانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهم) يقول أبو جعفر النحاس، هذا الحديث يَصير مرفوعًا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنّه لا يقول إلا عنه.

هذا، والناس في المَحْشَر مَرهونون بأعمالهم لا يُجزى والد عن ولده ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئًا، يوم يَفِرُّ المرء من أخيه وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه، ولكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يُغنيه، لكن بعد أن ينتهيَ الحساب، وبعد أن يستقرَّ المؤمنون في الجنّة سيكون من تمام نعيمِها لقاء الأحبّة إخوانًا على سُرُر متقابلينَ، فلنعمل على أن نكون من أهل الجنة ، ولنُحسِن اختيار أصدقائنا فالمرء يُحشَر مع من أحبّ، والمُتحابُّون في الله يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظلّه، إن هذا لهو الفوز العظيم، ولمثل هذا فليعمل العاملون.