شرع اشتراط الولي صيانة للمرأة، وحرصا على حقوقها، وحفاظا على عنصر الكفاءة بين الزوجين، حتى تستقر الأمور بعد ذلك، وتجد المرأة من يشاركها في حل المشكلات التي تقع يعد الزواج.

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:
ممّا دَرَج عليه الناس من قَديم الزّمان أن تكون هناك كَفاءَة بين الزّوجين، ومِن هنا وُجد الاختيار في قَبول أحد الطرفين للآخر عند الخِطبة، والمِقياس الأول للكَفاءة هو الدِّين الذي يليه في المرتبة الأخلاقُ، وما بعدها يُترك للعوامِل التي تختلِف زمانًا ومكانًا.
والذي يزن ذلك هو العاقل الحكيمُ الذي يزِن الأمور بميزان العقل البعيد عن حِدّة العواطف، وذلك أحرى بالرِّجال إلى حدٍّ كبير، دون إغفال للناحية العاطفيّة عند المرأة، فلابدَّ من إشراكِها في الاختيار أيضًا، وبهذا الاشتراك يوجَد نَوع من التوازُن في تقدير كفاءَة الزّوج.
وللعلماء في تقدير الكَفاءة وجهان: أحدُهما أنها شَرط لصحّة النِّكاح متَى فُقِدَت بَطَل العقدُ، وهو قول الشافعيّة وأحد الرِّوايتين عن أحمد، وبه قال أبو حنيفة: إذا زَوّجَت العاقلةُ نفسَها ولَها وَلِيٌّ عاصِب لم يَرْض بالزّواج قُبِلَ العقدُ، والوجه الثاني أنها شَرط لِلُزوم النِّكاح، فيصحُّ العقد بدونها ويثبت الخِيار، وهو الرواية الثانية عن أحمد، والكَفاءة بهذا حقٌّ للأولياء كما أنها حقٌّ للمَرأة.

ومن هنا شُرِعت استشارةُ البنت، واحترام رأيِها وجاءت في ذلك نصوص منها: حديث “لا تُنكَح الأيِّمُ حتّى تُستأمَر ولا تُنكَح البكرُ حتّى تُستأذَن” قالوا يا رسول الله وكيف إذنُها؟ قال “أنْ تَسْكُتَ” وفي رواية “الثَّيِّب أحقُّ بنفسِها من وليِّها، والبِكْرُ تُستأمَر وإذنُها سكوتُها” ومما يدلُّ على تأكُّدها حديث البخاري أن خَنساءَ بنت خدام زَوَّجها أبوها وهي كارِهة وكانت ثَيِّبًا فأتت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ فردَّ نِكاحَها، وفي رواية أحمد والنسائي وابن ماجه أن خَنساءَ أو غيرَها قالتْ للرسول ـ إن أبي زوّجني من ابن أخيه ليرفَع بي خَسيستَه، فجعل النبيُّ الأمرَ إليها ـ أي الخِيارَ ـ فلما رأت ذلك قالت: أجزتُ ما صَنَع أبي ولكنْ أردتُ أن أُعَلِّمَ النِّساء أنّه ليس للآباءِ من الأمر شَيء. وكانت الأَمَة “بُريرة” متزوِّجة من العبد ” مُغيث” فلما عُتِقَت لم ترضَ أن تبقَى معه لعدم التكافُؤ، ولم تَرض بشفاعةِ النَّبِيّ حين تدخَّل بينهما، وفي مصنّف عبد الرزّاق أن امرأةً مات زوجًها في غزوة أحد وترك لها ولدًا، فخطبَها أخوه فأراد أبوها أن يزوِّجَها رجلًا غيره، ولما تَمّ الزّواج شكت للنبيِّ أن عَمّ ولدِها أخذَه منها لمّا تزوّجت غيرَه، فقال لأبيها “أنتَ الذي لا نِكاح لكَ، اذْهبي فتزوِّجي عمَّ ولدِك”.

هذا كلُّه في المشورة واحترام رأي المرأة عند الزواج، لكن هل لها أن تباشِرَ العقد بنفسِها أم الذي يباشِره هو وَلِيُّ أمرِها؟
يرى جمهور الفقهاء “مالك والشافعي وأحمد” أن المرأة لا تباشِر العقدَ بنفسها سواء أكانت بِكرًا أو ثَيِّبًا، لأن العقد هو نهاية المَطاف من التشاوُر، ووليُّ الأمر أرجح رأيًا كما تقدّم وجاء في ذلك حديث رواه أصحاب السُّنن “لا تزوِّج المرأةُ نفسَها، فإن الزّانية هي التي تزوِّج نفسَها” وحديث آخر من روايتهم “أيُّما امرأةِ أنكحتْ نفسَها بغير إذن وليِها فنكاحُها باطِل” ثلاثَ مرّات. كما ورد حديث “لا نِكاح إلا بوَلِيٍّ وشاهدَيْ عَدْل” رواه ابن حبان. يقول النووي في شرح صحيح مسلم، إن العلماء اختلفوا في اشتراط الوليِّ في صحّة النِّكاح، فقال مالك والشافعي: يُشترط ولا يصِحُّ نِكاحٌ إلا بولي وقال أبو حنيفة: لا يُشترط في الثَّيِّبِ ولا في البِكر البالغة، بل لها أن تُزوِّجَ نفسَها بغير إذنِ وَليِّها، وقال أبو ثَور: يجوز أن تزوِّج نفسَها بإذن وليِها ولا يجوز بغير إذنِه، وقال داود: يُشترَط الوَليُّ في تزويجِ البِكر دون الثَّيِّبِ أهـ .

وقد رأينا بناتٍ يخرُجْن عن طاعة أوليائهن ويتزوَّجْنَ مَن يُرِدْنَ، وتَعرّضْنَ بذلك إلى أخطار جَسيمة. ونرى العودةَ إلى رأي الجمهور فهو أقوى وأحكمُ، والظروف الحاضرة ترجِّح ذلك، وقد رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ إيقاع الطّلاق ثلاثًا بلفظ واحد، لسوءِ استغلالِ الرِّجال لما كان عليه النَّبِيّ وأبو بكر من إيقاعِه مرّة واحدةً، وإذا وُجِدَت المَصلحة فثَمَّ شَرْعُ اللهِ.