سورة النُّور نزلتْ فيها أحكام كثيرة خاصّة بالمحافظة على الأعراض، من وضع عقوباتٍ رادعة للتعدي عليها ، ومن آداب تتبع للوقاية من الوقوع في الفاحشة المنكرة، وقد أمر الله فيها ألاّ يبدِّيَ النساء زينتهُنَّ الداخليّة التي من شأنِها أن تُستر، إلا لجماعة مخصوصين لا يخشَى منهم السوء غالبًا، كالمحارم، وكل ذلك للحفاظ على المرأة وعلى سمعتها وسمعة أهلها، وبعدًا بالمجتمع عن الفوضَى والفساد.
والمرأة يجب عليها ستر كل جسمها عن الأجانب بما لا يصفُ ولا يشفّ، مع آراء في كشف الوجه والكفّين عند عدم الفتنة، وكل ذلك في الشابّة أو غير المتقدّمة في السِّنّ. أما العجوز فقد جاء فيها قوله تعالى: ( والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزينةٍ، وأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ واللهُ سَمِيعٌ عَليمٌ ) ( سورة النور : 60) .

والقواعد جمع قاعد، وهي العجوز التي قعدت عن التصرُّف من أجل كبر السنِّ، وقعدت عن الولد والعادة الشهريّة كما قال أكثر العلماء، ومعنى وضع الثياب: خلعها، والمراد أن العجوز لا حرجَ عليها في أن تتخفَّف من بعض ثيابها الكثيفة التي كانت معتادة عند الخروج لزيادة التصوّن والستر، بمعنى أنه يجوز لها أن تخلع خِمارها الذي يستر رأسها، أولا لثقله عليها وهي المُسنّة، وثانيًا لأن شيب شعرها لا يَفتن من يقع نظره عليه، وقد يدخل رجل أجنبي فلا عليها أن يُرى بعض شعرها، ومع ذلك فالاستعفاف بدوام الستر أفضلُ، وكل هذا بشرط ألاّ يكون هناك تبرُّج وظهور بالزينة المُغرية، كوضع أصباغ وغيرها من أجل لفت الأنظار إليها على الرغم من كبر سنِّها، فإن ذلك حرام لسُوء القصد.

ومع ذلك فقد قال بعض العلماء: إن العجوز كالشابّة في وجوب الستر الكامل، ومعنى وضع ثيابها هو خلْع الجِلباب أو العَباءة التي فوق غِطاء الرّأس للتخفيف مع بقاء الرأس مستورًا، ومهما يكن من شيء فليكن هناك حساب للفتنة وحساب للقَصد والنِّيّة وأثر التطوّر والظروف في ذلك.