يحرم شرعاً فرض الفوائد القانونية؛ لأنها من الربا المحرم شرعاً، كما يحرم على المحامي المطالبة بها، ويحرم على القاضي أن يحكم بها، ولكن يجوز للقاضي أن يحكم  بتغريم المدَّعى عليه إذا كان غنيا مماطلا بغرامة مالية تساوي الضرر الفعلي الذي لحق بالمدَّعي، مثل رسوم الدعوى وأجرة المحامي. ومن حصل على هذه الفوائد الربوية يلزمه أن يتخلص منها بصرفها إلى الفقراء والمحتاجين أو في جهات الخير.

يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه  وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

الفائدة القانونية التي نصت عليها القوانين والأنظمة الوضعية، من الربا المحرم شرعاً في كتاب الله عز وجل، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام الماوردي: [أجمع المسلمون على تحريم الربا] الحاوي الكبير5/135.

والنصوص على تحريمه كثيرة منها:قول الله سبحانه تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}سورة البقرة الآيات 275 – 279.

وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم.

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا) رواه البخاري.

وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين) رواه البخاري.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة) رواه ابن ماجة، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وفي لفظ له قال: (الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قل) وقال فيه أيضاً صحيح الإسناد، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم 3542 وبرقم 5518.

وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع يقول:(ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون…) رواه أبو داود وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/641-642.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (ليأتين على الناس زمانٌ لا يبالي المرء بما أخذ المال أمِن الحلال أم مِنَ الحرام) رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (يأتي على الناس زمان يأكلون الربا، فمن لم يأكله، أصابه من غباره). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم في المستدرك وقال: قد اختلف في سماع الحسن عن أبي هريرة، فإن صح سماعه منه، فهذا حديث صحيح.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الربا ثلاثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه) رواه الحاكم وصححه وقال الشيخ الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير 1/633.

وعن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه – غسيل الملائكة – أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدُّ من ستٍّ وثلاثين زنية) رواه أحمد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد 4/117. وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 3/29.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وحسنه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/179.وغير ذلك من النصوص المحرمة للربا.

وقد نقل الأئمة الإجماع على تحريم الربا انظر المجموع9/391.

إذا تقرر هذا التحريم القطعي للربا، فينبغي توضيح الأمور التالية:

أولاً: إذا استقر أي مبلغٍ مالي في ذمة ما، فإن أي زيادة على ذلك المبلغ تعتبر من الربا المحرم شرعاً.

ثانياً: يحرم شرعاً ربط التعويض المالي بالفائدة لأنها عين الربا المحرم شرعاً.

جاء في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ما يلي:[ نظر المجمع الفقهي في موضوع السؤال التالي ، إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة ، فهل للبنك الحق أن يفرض على المدين غرامة مالية، جزائية بنسبة معينة بسبب التأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟

الجواب: وبعد البحث والدراسة، قرر المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي:

إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرطٌ أو فرضٌ باطلٌ، ولا يجب الوفاء به، ولا يحل سواءً أكان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه…].

ثالثاً:لا يجوز شرعاً ربط الديون أو التعويضات بمستوى الأسعار أو جدول غلاء المعيشة، فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة ما يلي: [ العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة لأن الديون تُقضى بأمثالها فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أياً كان مصدرها بمستوى الأسعار] مجلة مجمع الفقه الإسلامي 5/3/2261.

رابعاً: يحرم على المسلم سواءً كان قاضياً أو محامياً أن يحكم أو يطالب بالفوائد القانونية، لأنه حينئذ يكون مسهماً في الربا المحرم شرعاً، ويحرم على المسلم أن يسهم في العملية الربوية بأي شكل من الأشكال، ولا شك أن من يفعل ذلك فإنه يكون مشاركاً في الربا، وقد سبق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم. ونلاحظ في هذا الحديث أن اللعن- ويعني الطرد من رحمة الله والعياذ بالله- شاملٌ لآكل الربا، أي للآخذ له، ولمؤكله، أي المعطي للربا، وكذلك للكاتب للمعاملات الربوية، ويلحق بذلك كل من يسهم أي إسهام في العمليات الربوية، كالقاضي والمحامي.

وقد علَّق الإمام النووي على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) فقال:[هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابيين والشهادة عليهما. وفيه: تحريم الإعانة على الباطل.] شرح النووي على صحيح مسلم 4/207.

ومما يدل على حرمة الإسهام والمشاركة في العملية الربوية بأي شكل من الأشكال قول الله تعال:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة المائدة الآية 2.

خامساً: يجوز للقاضي أن يحكم  بتغريم المدَّعى عليه وهو غني مماطل بغرامة مالية تساوي الضرر الفعلي الذي لحق بالمدَّعي، مثل رسوم الدعوى وأجرة المحامي ونحو ذلك.كما يجوز للمحامي الموكل بالقضية المطالبة بمثل ذلك.

وخلاصة الأمر أنه يحرم شرعاً فرض الفوائد القانونية، لأنها من الربا المحرم شرعاً، كما يحرم على المحامي المطالبة بها، ومن حصل على هذه الفوائد الربوية يلزمه أن يتخلص منها بصرفها إلى الفقراء والمحتاجين ويجوز صرفها أيضاً في جهات الخير كالجمعيات الخيرية ونحوها.